لا تخفي الإحصاءات الدولية اتساع الهوة التي تفصل بين الفقراء والأغنياء عندما يتعلق الأمر باللقاح المضاد لفيروس كورونا.
فمن بين 18.7 مليار جرعة لقاح أنتجتها معامل العالم حتى الآن، ذهبت 270.7 مليون جرعة فقط للدول ذات الدخل المنخفض، بينما أكثر من 80% من هذه اللقاحات ذهبت للدول الغنية والمتوسطة الدخل من الشريحة العليا.
ووسط هذا التباين الجلي، تنقسم الآراء بشأن الجرعة الثالثة أو المعززة، التي بدأت دول مثل الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا وإسرائيل والأردن وسنغافورة والصين وروسيا، في تقديمها لمواطنيها الذين يحتاجون إليها لأسباب صحية ولتطعيمهم ضد المتحورات الجديدة من فيروس كورونا.
و لا يتوقف الأمر فقط عند القيمة الطبية والصحية لجرعة ثالثة من اللقاح، لكنه يمتد إلى التقييم الأخلاقي حين يتلقي
مواطنون في دول غنية ثلاث جرعات في حين لايزال مئات الملايين في الدول الأكثر فقرا لم يتلقوا جرعة واحدة من اللقاح.
وبحسب الأمم المتحدة تم استهلاك حوالي 5.7 مليار جرعة من اللقاحاتالمضادة لفيروس كورونا في جميع أنحاء العالم حتى الآن، لكن معظمها استخدم في الدول الغنية.
وبناء عليه تشهد حصة كل فرد من المتاح من اللقاحات هوة كبيرة. ففي البلدان الفقيرة حصل كل 100 شخص على 1.5 جرعة من اللقاح، أما في البلدان الغنية فحصل كل 100 شخص على 100 جرعة من اللقاح.
فجوة واسعة
وتحذر منظمة الصحة العالمية من أن الفجوة في الحصول على اللقاحات بين الأغنياء والفقراء، تسببت في عدم تحقيق تسع بلدان هدف المنظمة بتطعيم 10% من سكانها على الأقل خلال شهر سبتمبر/ أيلول الجاري.
ويقول أيفان هوتين مسؤول برنامج الأمراض المعدية في المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في منطقة الشرق الأوسط لبي بي سي "رغم أن مشكلة عدم توافر اللقاحات للدول الأقل دخلا بدأت قبل البدء في منح الجرعة الثالثة في بعض الدول، إلا أن هذه الجرعة المعززة تقلل من حجم المتاح من اللقاحات التي يمكن توجيهها للدول الأكثر احتياجا في أفريقيا والشرق الأوسط".
ويتابع "هوتين" أن هذه الجرعة ستؤدى إلى تفاقم عدم العدالة في توزيع اللقاحات. لكن مشكلة عدم توافر اللقاحات في رأيه لها جوانب أخرى ، منها ضعف آليات شحن وتخزين هذه اللقاحات في الدول الأقل دخلا وهو ما يحاول برنامج "كوفاكس" التغلب عليه.
و"كوفاكس" هو مبادرة تابعة لمنظمة الصحة العالمية تهدف إلى تسريع تطوير وتصنيع لقاحات مضادة لفيروس كورونا، كذلك ضمان إمكانية الحصول المنصف والمتكافئ على اللقاحات في جميع أنحاء العالم.
و قد خلقت الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة تفاوتا واسعا في إمكانية الحصول على اللقاح حتي بين الدول العربية وبعضها البعض. فبحسب احصاءات جامعة جونز هوبكنز، تعد اليمن الاسوأ عربيا من ناحية عدد الملقحين بين السكان وهو 1.06 جرعة لكل 100 شخص أما السعودية فهي الأعلى عربيا 112.37 جرعة لكل 100 شخص.
وتحول هذه الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة، دون تحقيق هدف منظمة الصحة العالمية بإعطاء نحو 40% من البشر حول العالم اللقاح بنهاية هذا العام، و70% بحلول منتصف العام المقبل لوقف انتشار الفيروس وحماية الجميع من تفاقم الجائحة.
"ضرورة ملحة"
تدافع الدول الأكثر دخلا عن قرارها باعتبار هذه الجرعة من اللقاح جرعة تنشيطية ومعززة، وتقدم حماية إضافية لكبار السن و الأشخاص المحتاجين إلى الرعاية ومن يعانون من أمراض مزمنة وأمراض نقص المناعة ومرضى السرطان.
لكن بعض الدول كالولايات المتحدة وإسرائيل قررت منح هذه الجرعات التعزيزية لجميع المواطنين، طالما أنه قد مرت خمسة أشهر على الأقل منذ حصولهم على الجرعة الثانية من اللقاح. وهو ما يعني استهاك كميات أضخم بكثير من اللقاح لصالح مواطنين محصنين من قبل بجرعتين منه.
وبحسب تبريرات هذه الدول، يتراجع تأثير اللقاح على نحو ملحوظ بعد مرور 6 أشهر على الأقل على أخذ آخر جرعة ، الأمر الذى يجعل منح هذه الجرعة أمرا لا بد منه.
ووجدت إحدى الدراسات في المملكة المتحدة أن جرعتين من لقاح فايزر/بيونتيك كانتا فعالتين بنسبة 88 في المئة بعد شهر واحد، مقارنة بنسبة 74 في المئة بعد خمسة أو ستة أشهر. وفي الوقت نفسه، انخفضت فعالية لقاح أوكسفورد - استرازينيكا من 77 في المئة إلى 67 في المئة.
في المقابل أكد مسؤول منظمة الصحة العالمية، أن التجارب التي تم أجراؤها على البشر بعد تعاطي هذه الجرعة من اللقاح لم تثبت أي فعالية أو حماية إضافية لأصحابها في مواجهة الفيروس الأمر الذى يجعل منها مجرد إهدار لما هو متوافر من اللقاحات المحدودة الكمية بالأساس.
وبحسب مقال رأي نشرته دورية "ذا لا نسيت" الطبية البريطانية الشهيرة في 13 سبتمبر/ ايلول الجاري، لم يتم التوصل لأى دليل طبي للحاجة لمنح جرعة ثالثة من اللقاح المضاد لفيروس كورونا لكل المواطنين بهدف تعزيز مناعتهم ضد الإصابة بالفيروس.
كتب المقال عدد من علماء اللقاحات من مختلف أنحاء العالم واثنان من المدراء المتقاعدين من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية - إف دى أيه.
وبحسب المقال "حتى في حالة ظهور أدلة على أن الجرعة الثالثة من اللقاح يمكن أن تقلل خطر التوعك الصحي الشديد بعد الإصابة بالفيروس، فإن مخزون اللقاحات المتاح حاليا يمكن أن يحمي مزيدا من الأرواح إذا تم توجيهه لمن لم يحصلوا على أي جرعة من اللقاح حتى الآن".
"المشكلة أكبر من الجرعة الثالثة"
وتقول سارة جيبلرت مطورة لقاح أكسفورد- استرازينيكا لبي بي سي، إن حل مشكلة الندرة في اللقاحات لا يرتبط بوقف منح الجرعة الثالثة من الققاح من عدمه، فالحل يكمن في "إنتاج مزيد من جرعات اللقاحات ، فضلا عن الترخيص لإنتاج مزيد من اللقاحات، وهو ما بدأ بالفعل لإتاحة المزيد من اللقاحات لتوجيهها للدول الأكثر احتياجات تحديدا في أفريقيا وغيرها من الدول الأكثر فقرا، ففي الكثير من الدول حصل أقل من 2 % من السكان على اللقاح حتى الآن".
ويخشي علماء من أن هذه الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة في مسألة التلقيح يمكن أن تؤثر بالسلب على قدرة الكوكب بالكامل على السيطرة على فيروس كورونا لأنه سيبقى غير الحاصلين على أي جرعة من اللقاح مصدر لإعادة نشر الفيروس من جديد.
المصدر: موقع البي بي سي