إشراقة..
اختلف النحويون في جواز حذف مفعوليْ أفعال القلوب من غير دليل سابق في سياق الكلام يدلّ على الحذف، فمنع ذلك بعضهم مطلقا، وأجازه بعضهم مطلقا، وفرّق بعضهم، فأجازه في مفعوليْ أفعال الظنِّ، ومنعه في مفعوليْ أفعال العلم، وقد استدلّ مَن أجاز الحذف مطلقا بقوله تعالى "أعنده علم الغيب فهو يرى" فقد حُذف في الآية مفعولا فعل "يرى" من غير ذكر سابق لهما في الكلام، والتقدير :فهو يرى الأشياءَ كائنةً، واستدلوا كذلك بقوله تعالى "وظننتم ظنّ السوء" والتقدير: ظننتم انقلاب الرسول والمؤمنين منتفيا..
وأما إن دلّ دليل على الحذف فيجوز حذف المفعولين اتفاقا، وكذلك حذف أحدهما على الأصح خلافا لابن ملكون، فمثال حذف المفعولينِ قوله تعالى "أين شركائيَ الذين كنتم تزعمون" والتقدير: تزعمونهم شركائي، ومنه قول الشاعر:
بأي كتاب أم بأية سنة * ترى حبهم عارا عليّ وتحسب.
أي وتحسب حبَّهم عارا، ومثال حذف أحد المفعولين اختصارا قوله تعالى"ولا يحسبن الذين يبخلون بما ءاتَهم الله من فضله هو خيرا لهم"، والتقدير: ولا يحسبن الذين يبخلون بُخلَهم خيرا لهم، ومنه قول عنترة:
ولقد نزلت فلا تظنّي غيره * منّي بمنزلة المحبّ المكرم.
والتقدير: فلا تظني غيرَه واقعا، وقد أشار ابن مالك في الألفية إلى ما ذكرنا بقوله:
ولا تُجِزْ هنا بلا دليل * سقوط مفعولين أو مفعول.
كما نظم الخلافَ في هذه المسألة العلّامةُ ممُّ بن عبد الحميد الجكنيُّ رحمه الله، فقال:
مفعول ذا الباب إذا تحاولهْ * يمنعه صاحبه وعامله
ومنع انحذافه من أن يكونْ * جيشٌ لواؤُهُ على ابن ملكونْ
وعندنا ثبت أنّ عسكرَهْ * هزمهُ الشادون بيت عنترهْ
فنهنهوا عن من يخاف ضَيْرهْ * والحق ذا فلا تظنِّي غيرهْ
فثاني كانَ حذفهُ إجماعا * لدى الوضوح اتّسع اتساعا
ذكره "التصريحُ" كَبْشُ الفنِّ * وكان يوم ذاك عند ظنِّي.