الليلة تأكدت أن هناك من لا يريد الخير لهذا البلد وذلك بالتمييز بين المواطنين على طريقة بني إسرائيل (مع الشريف والضعيف)، وذلك عندما أوقفتني دورية للشرطة بعد 5 دقائق من بداية حظر التجول (وليس من عادتي تعمد خرقه، ولكنني فقط انشغلت ونسيت الوقت).
شرحت لقائد الفرقة المشاغل التي أدت بي إلى التأخر 5 دقائق، لكنه لم يتفهمها، وأمرني بركن السيارة، وتسليم مفتاحها لأحد عناصره، طبعا امتثلت للأوامر وفوضت أمري لله، ولم ألم إلا نفسي لأنني أتحمل خطئي، مع شعور بالفخر بمثل هذا الشاب الصارم في التطبيق الحرفي للقانون، وماهي إلا بضع دقائق حتى تزايد عدد السيارات المحجوزة، وحتى أنه أنزل نسوة من سيارتهن وصادر مفاتيحها ليضطررن إلى إكمال الطريق على الأرجل بعد أن سمح لهن بالمغادرة.
اقتنعت أن هذا الشرطي رجل أمن مثالي وأنه يطبق القانون على الجميع وأقتنعت أنني سأبيت عندهم، وأنه لا مفر من تحمل خطئي ودفع ثمنه.
لكن المشهد تغير بسرعة عندما لاحظت أن أكثر من 10 سيارات مرت على قائد الدورية وسمح لها بالمغادرة، عندها تساءلت في نفسي ما الذي يفرق بيني وزملائي الفقراء مع هؤلاء ؟ ألسنا مواطنين لنا نفس الحقوق وعلينا نفس الواجبات ؟ ألا نخدم جميعا البلد كل من موقعه ؟.
شعرت بغصة وحرقة تزدادان كلما زاد عدد المحظوظين المارين، وكلما زاد عدد التعساء المحتجزين، وتعاظم الحزن والألم عندما استوقف شابان رثا الثياب، وأجبرهما على الصعود في سيارة الدورية ونقلهما أحد عناصره إلى مكان احتجاز وعاد بسرعة، وتذكرت حينها سبب هلاك بني إسرائيل كما ذكر نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: «إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد» [رواه البخاري].
حينها قررت أن أرفع الظلم عن نفسي بنفسي، وتعمدت الاتصال ببعض زملاء قائد الدورية، وقد طلب مني أحدهم أن أناوله له في الهاتف، لكنه رفض الكلام في الهاتف، وماهي إلا عدة دقائق حتى حضر زميلان له (كلهما أكبر منه رتبة) ولا يعلم أحدهما بالآخر، وطلبا منه إطلاق سراحي، فاضطرب وتلعثم واعتذر لي غاية الاعتذار، فغادرت في صمت.
ومع أنني حمدت الله الذي خلصني من عصابة البعوض التي انتهزت الموقف لالتهام أرجلي بشكل بشع، إلا أنني حزنت صراحة لباقي المواطنين الذين بقوا في الأسر، وحزنت أكثر لهذا الوطن الذي ينهش أبناؤه بعضهم بعضا باسم القانون، الذي أصبح مثل صنم التمر، يطبقونه على من يريدون، وينسونه حين يريدون، وتذكرت حينها قصة فتح سمرقند والمحكمة التي عقد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، وتذكرت أيضا كيف يتمثل الغرب تلك القيم اليوم، وجالت بخاطري سريعا قصة محمد الفايد والشركة البريطانية وكيف حكمت له المحكمة بأكثر مما كان يتخيل.