انكماشه في العقود الأخيرة من عمره:
غير أن الذي يعجب له المراقب لحياة سعيد ومسيرته - ويأسف له أيضًا - أنَّ هذه الحيوية الهائلة لم تستمر في فَيْضها وعطائها بقوة كما كانت. فقد قلَّ نشاطه المعهود والمرتجى فيه، إلى حد كبير. لقد ظلت هذه الشخصية الثرية تدعو وتعطي، ولكن ليس بالقدر الذي كان يُتوقَّع منها، والذي يكافئ ما لديه من مواهب، ويتلاءم مع تاريخه الحافل والدافق بالخير والعطاء.
وربما كان لإقامته في أوروبا أثرٌ في ذلك، ولكنْ هناك كثيرون أقاموا في أوروبا وفي أمريكا ولم يمنعهم ذلك من مواصلة الفيض واستمرار العطاء.
وقد فسَّر بعضنا بأنَّ الرجل قد تفرَّغ للتأمُّل والكتابة، فلم يعد يهمه الكلمة المرتجلة، بل همه الكلمة المكتوبة. وهذا يمكن أن يكون عذرًا مقبولًا، لو أننا قرأنا للرجل كتبًا ذات بال، أصدرها خلال تلك المدة.
حتى قال بعض إخواننا: كأنَّ عينًا أصابت الرجل، فلم يعد تلك الشعلة المتوهّجة التي كانت تشع نورًا، وتقذف نارًا.
على كلِّ حال، حَسْبُه ما قدَّمه في شبابه مما يندر أن يقدمه مثله، وعسى أن يعوِّض أبناؤه في شبابهم فينهضوا بما لم ينهض به أبوهم في شيخوخته.
رحم الله سعيد رمضان، وغفر له، وتقبَّله في الصالحين، وجزاه عن دينه ودعوته وأمته، خير ما يجزي به الدعاة العاملين، والمجاهدين الصادقين.