وفاة الأستاذ عبد الحليم محمد أبو شُقة(الوداع الأخير):
في صباح يوم الاثنين 23 من ربيع الآخر 1416هـ - 18/9/1995م جاءني نبأ وفاة الأخ الحبيب، والصديق الوفي، والرفيق الودود، الأستاذ عبد الحليم محمد أبو شقة، الذي كنتُ ودَّعته من قريب في القاهرة، وداع من يرجو العودة والتلاقي من جديد. ولكن القدر الذي يخط مصاير الإنسان أبى ألا تكون لنا عودة ولا لقاء بعد ذلك في هذه الدنيا. وكلُّ شيء عند الله بأجل مسمّى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ} (فاطر:11).
لا نملك عندما نفقد من نحب إلا أن نقول ما علَّمنا القرآن أن نقوله عندما تنزل بنا المصائب، ومنها مصيبة الموت: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (البقرة:156)... {إِنَّا لِلَّهِ} مِلْك له يتصرف فينا كما يشاء، ليس لنا من أمر الموت والحياة شيء، جئنا إلى الحياة بغير إرادتنا، ونخرج من الحياة بغير إرادتنا، بل بإرادة من يحيي ويميت، وبيده ملكوت كل شيء، {وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} في دار الخلود، حيث يجد كل منا عند الله حصاد ما زرع، وجزاء ما عمل.
رثائي للأستاذ عبد الحليم أبو شقة:
وقد كتبت في رثاء عبد الحليم كلمة يستحقُّ أكثر منها، نشرتها الصحف القطرية وغيرها، كما نُشِرَتْ في كتابي: «في وداع الأعلام» الذي نشرته دار الفكر الدمشقية. ولا أريد أن أعيد ما كتبته هنا. ولكني مضطر إلى أن أقتبس منها بعض الفقرات، مضيفًا إليها أشياء أخرى لم أذكرها في الكلمة.
لجنة الشباب المسلم:
لقد عرفت عبد الحليم قديمًا على أنه من «لجنة الشباب المسلم» في الإخوان، وهي اللجنة التي أخذت على عاتقها الاهتمام بالجانب الفكري والثقافي والتربوي، في مقابل الجماعة التي جعلت جل اهتمامها بالجانب الجهادي، وهم جماعة «النظام الخاص» الذي أطلقت الحكومة عليه فيما بعد: «الجهاز السري».
والعجب أن جماعة الشباب المسلم كانوا أساسًا من النظام الخاص، وكانوا يسمّونهم: «جماعة الأسس» أي الدعائم والركائز، ولكن الممارسة والتجربة علّمتهم أن هناك ما ينقصهم، وهو التربية العقلية والعلمية المركزة.
فهؤلاء الشباب من أمثال عبد الحليم، ورشاد رفيق سالم، ويوسف عبد المعطي، وجمال عطية، وعز الدين إبراهيم، وغيرهم، لم يكونوا بعيدين عن الجهاد والتنظيم الخاص، بل اتُهِموا في قضايا التنظيم، ودخلوا السجون، وقُدّموا للمحاكمات، وبعضهم مثل عز الدين استطاع أن يهرب مع بعض إخوانه من مصر إلى ليبيا، ويلجأ إلى الملك السنوسي رحمه الله.
رسائل لجنة الشباب المسلم:
ولكن هؤلاء الشباب رأوا أن هناك فراغًا علميًّا وفكريًّا يجب أن يُملأ، وأن كثيرًا منهم يُفتي في أمور كبيرة، وهو ليس لها أهلًا، أو يأخذ فتواه فيها ممن ليسوا لها أهلًا؛ ولذلك بدءوا يعملون على ملء هذا الفراغ، وسدّ هذه الثُّغرة، بعدة وسائل، منها:
1- قراءات جديدة في كتب غير كتب الإخوان ورسائلهم. ولا سيما أنها كانت محدودة في ذلك الوقت، تكاد تكون مقصورة على رسائل الإمام البنا، وبعض كتب اعتُبرت من رسائل الجماعة، مثل كتاب: «تذكرة الدعاة» للبهي الخولي.
وهذه القراءات لها مصادرها الرحبة. فمن القديم كتب الإمامين: ابن تيمية وابن القيم، ومن الحديث أمثال الشيخ محمد عبد الله دراز، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ خلاف والشيخ أبو زهرة