كناش الجمعة: الزمان صيف 1961/ د.محمدغلام مني

المكان " منهل العرقوب " جنوب شرقي العاصمة ب 70 كلم 
كانت أياما اشتد فيها الحر وجف فيها الضرع وغارت فيها مياه الآبار.. وتحدث الكبار في السن
 عن سنة لم يشهدوا لها مثيلا ..من قبل
واحتار رجال الحي في طريقة التعامل مع الوضع القاتم..بعضهم توجه للقرية الجديدة انواكشوط وتوطن حي سوسيم غير بعيد من " انبصاد افرانص " ليدشن نمط حياة لم يألفه من قبل..والغالبية قررت ان تواجه اقدارها على أرض الفتها وخبرت حتى حبات رملها..
غير أن اشتداد القيظ والتنافس على موارد المياه الشحيحة أدى إلى تزايد الاحتكاك بين ملاك القطعان..
لكن  عركة الأمس كانت غير عادية في عنفها .. فقد كثرت فيها الشجاج وسالت الدماء ..مع ذلك فقد كانت النفوس الطيبة مهيئة للتسامح والصفح وتجاوز شجار الاخوة ، غير أن متغيرا جديدا عكر صفو الحي ونشر القلق في النفوس أنها الحكومة التي ترامى إلى مسامعها خبر " لفتين " ومن ثم فهي وحسب ما تواترت به الاخبار  تتهيأ لإرسال بعض من اعوانها للتحقيق
تحلق رجال الحي بعد الصلاة ليتدارسوا الموقف كان المجلس يضم طرفي الخصومة غير أن الكل تناسى وبالكامل موقعه من عركة الأمس وبدأ يبحث مع غريم الأمس افضل طريقة لتبسيط ما حدث
استهل أحدهم الحديث لينذر الجميع بأن  "غضب الروم شديد " فمع ان الجميع سمع بأخبار الاستقلال وبتولي أحد أبناء البلد مقاليد الحكم إلا أن الحال بالنسبة للكثيرين لم يتغير فالحكام الجدد هم في الواقع مجموعة من " املاز " والتي كانت تترجم ما يقوله " لمهلكه "  وهم مثل من سبقهم من الحكام الفرنسين يتكلمون كلامهم  ويلبسون لباسهم ..وإذا فالحكومة هي حكومة انصاره
ثم جاء اقتراح من أحد الأعيان بالرحيل عن المنهل وتركه للحكومة مستطردا " اما سبق لنا أن هاجرنا إلى آدرار عند طلوع النصارى " 
لترد الغالبية برفض المقترح
وانفض الجمع وهم في حيرة 
لتمر أيام عصيبة على الحي ..والكل يترقب 
وفجأة  وفي صبيحة احد الايام تعالى هدير محرك سيارة وبعد قليل عكست أشعة الشمس المتوهجة ذاك الوحش الحديدي المتمايل بخيلاء  بين الكثبان المتجه للحي .. وما هي إلا دقائق حتى كانت السيارة تتوسط الحي 
وسرعان ما تكرر المشهد الدفاعي الذي الفه الحي في مواجهة اعوان الجباية والتجنيد الموفدين من طرف الإدارة  الاستعمارية  يتفرق الشباب في الأودية و يبقى كبار السن والأطفال لمواجهة الموقف
توقفت السيارة امام واحدة من الخيم ليخرج منها أربعة أفراد يرافقهم فرنسي اتضح انه سائق السيارة  تحلق الأطفال حول هذا الأخير مشدوهين امام بشرته الغريبة ..ليتقدم أكثرهم جرأة ويلمس ذراعه  باصبعه ثم ليبادر بتامل إصبعه.. ترى هل كان يتوقع أن تلصق صباغة الرجل باصبعه..
توقع الجميع الأسوأ..لكن المفاجئة كانت كبيرة ..انها بعثة للتعليم تدرس إمكانية افتتاح مدرسة لصالح الحي ..
يتواصل