عدت للعاصمة يا سادتي ..بعد زهاء شهر قضيته في مدينة المناضل إيت احمد..
كان المرور على " شيخنا " مرورا اجباريا
"شيخنا" معظم الأطر الموريتانية القادمة من جامعات الجزائر تعرف شيخنا وتحتفظ له بمكانة خاصة .. فهو الذي واكب اجيالا واجيالا من طلبة موريتانيا في تلك البلاد وكان سندهابلا مراء ..
أتعرفون من هو شيخنا إنه طباخ السفير لكنه بالنسبة لنا نحن معاشر الطلاب في الجزائر نراه حقا سفيرا وفوق العادة ..اشتغل الرجل بالتجارة البسيطة اصبح يقرض الطلبة بفوائد بسيطة وفي بضع سنوات أصبح ثريا دون أن يترك مهمته الاصلية ..
سلمني أربع ورقات من فئة الف دينار ..
لأعود لغرفتي في الحي المهجور ..من بعيد ترائت لي غرفتي انها محظوظة بموقعها فهي تتوسط غرفتين احدى الغرفتين كان يسكنها طالب اصبح فيما بعد رئيس وزراء موريتانيا لسنوات والآخرى سكنها طالب قضى هو الآخر حقبا يتقلب في المناصب الوزارية فيما بعد وأسررت في نفسي من يدري قد يجيئ الدور علي . . فمن يتوسط وزيرا اولا ووزيرا لا بد ان يكون شيئا مذكورا وافقت من خواطري وانا ابتسم اتراني اضحك على نفسي ام هي ابتسامة ترحيب وحفاوة بالعودة من غربة داخل غربة الإستقرار حتى بدون وطن يظل نعمة مررت بالسوق المجاور للحي واشتريت " مورص ادجاح رطل من الارز وبعض الخضار " بعد شهرين بدات السنة الدراسية كانت الأيام تمر بطيئة ورتيبة
إلى أن جاء ذاك اليوم الذي ترك أخاديد في التجاويف النفسية لكل طالب واكب أحداثه..
كان الوقت بعيد العصر
وكنت بالغرفة رفقة أحد الطلبة كانت غرفتنا " السي 52" في الطابق الثالث تبعد عن السلالم 50 مترا ..
كنت مستلقيا على الطابق الثاني من السرير وفجأة أحسست بالسرير يميل ثم ارتجت العمارة وصفق الباب قفزت من على السرير باحثا بالغريزة عن مأوى داخل الغرفة ذات المترين والنصف ثم ترامى إلى مسامعي .." الزلزلة..الزلزلة " فالتقطها وعيي الباطني انه زلزال .. مرة أخرى دفعتني غريزة التشبث بالحياة لا دخل في سباق وحشي للخروج من العمارة .. ما بين غرفتي وبداية السلالم طافت براسي العديد من محطات حياتي وتسائلت هل قدر لي ان انتهي تحت آلاف من أطنان الحديد والخرسانة في ارض الغربة .. ترى مالذي دفع بي أصلا إلى هذه البلاد واي جنون دفعني للمغامرة من البداية كانت أسئلة وخواطر بعمر كامل لكنها لم تستغرق أكثر من بضع ثوان..لكنها ثوان بمذاق دهر
وافقت علي وانا أدوس على بطن أحدهم اسقطته الجموع في تدافعها على السلالم كان مستلقيا على ظهره .. ولم تغب عن ذاكرتي صورة صدره العاري والشعر الغزير إلذي يغطيه ..
بدا وكأنه استسلم لقدره فاصبح قطعة غير مسننة من السلالم
لم ألتق بهذا الطالب فيما بعد ومن الأكيد انه لم يبحث عني ..
وصلت الأرض وكأني استلم شهادة ميلادي باليد ..
34 ونصف الثانية كانت مدة الزلزال ...تجاوز عدد الضحايا في تلك الثواني المحدودة ألفي إنسان
حسب ما أعلنته الحكومة الجزائرية وقتها
دفعنا الحرس الجامعي خارج أسوار الحي المهدد بالانهيار..لتتواتر اخبار الطلاب الموريتانيين ..
كانت أكثر حكاياتهم غرابة حكاية ذاك الطالب الذي قفز من الطابق الثاني ليصاب بكسر في الساق حيث حملته سيارة إسعاف ارتطمت هي الأخرى بسيارة كانت تسير بسرعة وفي الاتجاه المعاكس غير انها و حتى يكمل سوء الحظ حلقاته كانت محملة بانابيب الغاز وهو ما أدى إلى نشوب عدة حرائق ليصل في النهاية زميلنا للمستشفى ويقضي أسابيع فيه ويخرج منه معافى هذا قبل أن يصبح في ما بعد واحدا من ألمع أطباء البلد ..
يتواصل