تعريب الإدارة/ محمد الأمين الفاظل

قد يأتيكم أحدهم من آخر الدنيا في ثوب الوعاظ ليقول لك : صحيح.. تعريب الإدارة مهم، وتدريس المواد العلمية باللغة العربية مهم، ولكن هناك أولويات تتعلق بارتفاع الأسعار وتوفير الكهرباء والماء والشغل أولى من المطالبة بتعريب الإدارة أو تدريس المواد العلمية باللغة العربية.
جيد.. طالبوا أنتم بتلك الأولويات وسيكون كاتب هذه السطور وكثير من المطالبين بتعريب الإدارة معكم، ولكن من باب تكامل الأدوار، أليس من المناسب، بل أليس من الضروري والملح جدا أن تكون هناك جماعة من الموريتانيين تطرح المطلب المتعلق بالتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية؟
أليس من الضروري جدا أن تتبنى جماعة ما ذلك المطلب، بل وتتفرغ له، خاصة وبعد أن مر ما يزيد على ثلاثة عقود على المصادقة على الدستور الموريتاني الذي لم تُفَعل حتى الآن  مادته السادسة التي تقول : "اللغات الوطنية هي العربية والبولارية والسنونكية والولفية واللغة الرسمية هي العربية".
أليس من الضروري أن تطالب جماعة ما بتفعيل تلك المادة من الدستور  الموريتاني في العام 2021، وذلك بعد أن مرَّ ما يزيد على ستة عقود على استقلال موريتانيا؟  
أليس من الضروري جدا أن تُطالب جماعة ما بتفعيل هذه المادة التي تعاني من تمييز سلبي واضح وبَيِّن من طرف الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات وكل القوى الحية..هناك مواد في الدستور الموريتاني إن تم المساس بها قامت قيامة الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات وكل المهتمين بالشأن العام، ولها الحق ـ كل الحق ـ في ذلك، ولكن ـ في المقابل ـ هناك مادة من الدستور الموريتاني تنتهك يوميا ومنذ ثلاثة عقود، ولا أحد يستنكر ذلك.
إن تقصير الحكومات المتعاقبة واضح وبيِّن، ولولا ذلك التقصير لما كانت إعلانات اكتتاب شركة اسنيم في العام 2021 بالفرنسية فقط ومن دون ترجمة إلى العربية، ولما كانت لجان الصفقات تشترط أن تكون العروض المقدمة إليها باللغة الفرنسية فقط.
إن المادة السادسة من الدستور الموريتاني لم تخذلها الحكومات المتعاقبة فقط، فحتى المعارضة التي تبدع دائما في كشف تقصير الحكومات لم تتحدث يوما عن تقصير الحكومات بخصوص تفعيل المادة السادسة من الدستور الموريتاني.
فهل تعلم يا أيها المثبط أو لفرانكفوني المتستر بثوب الوعاظ أنه :
ـ لا نائب من نواب المعارضة الذين اشتهروا بطرح الأسئلة الشفهية والمكتوبة عن كل المواضيع خلال العقود الماضية..أنه لا أحد منهم طرح سؤالا شفهيا واحدا يتعلق بإهانة اللغة العربية في الإدارة الموريتانية؛
ـ لا حزب سياسي من أحزاب المعارضة المعروفة يوجد في أرشيفه السياسي، أي بيان يطالب بتعريب الإدارة؛
ـ بل أكثر من ذلك، ففي مهرجان من مهرجانات منسقية المعارضة تحدث الرئيس الدوري للمنسقية في تلك الفترة في خطابه الرسمي الموجه لجماهير المعارضة باللغة الفرنسية وهو القادر على أن يحدثهم باللغة العربية أو الحسانية على الأقل..أذكر أن أحد الزملاء في المكتب التنفيذي للمنتدى قال في اجتماع للمكتب أنه لم يكن يعتقد أن اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية للمنتدى!!
هناك فرصتان ثمينتان علينا أن  نستغلهما لقطع خطوة جدية في سبيل تمكين اللغة العربية وتطوير اللغات الوطنية..إنهما فرصة التشاور حول إصلاح التعليم، وفرصة التشاور الوطني الموسع. 
في الأخير إذا قال لك أحد المثبطين أو أحد وعاظ لفرانكفونية المتشبثين بفقه الأولويات بأن تعريب الإدارة والتعليم في غاية الأهمية ولكن الوقت غير مناسب لطرحه..هو يقول ذلك لأنه يعلم بأن بقاء الحال على حاله هو لصالح اللغة الفرنسية..إذا قال لك ذلك فقل له صحيح إن الوقت غير مناسب، والسبب في ذلك أننا تأخرنا كثيرا ولثلاثة عقود كاملة، ولم يعد بإمكاننا أن نتأخر أكثر، خاصة وأننا أمام فرصتي التشاور الخاص بالتعليم والتشاور الوطني الشامل، وهي فرص قد لا تتاح لنا من جديد، على الأقل خلال المستقبل المنظور.
#معا_لتفعيل_المادة6