"فِي عام 1974، أرسلت الحكومة الموريتانية إلى الشيخ عبد الله ولد الشيخ سيد محمد ولد الداه ولد داداه رحمهم الله ـ عن طريق حاكم مقاطعة بتلميت ـ مبلغا ماليا، فأعاد الشيخ عبد الله المبلغ، مع الرسالة التالية: <<سلام ورحمة الله وبركاته، من الكاتب إلى السيد الفاضل سيدنا، ورئيسنا، ومتولي أمورنا ومصلحها، الحاكم: ماسينا ممدو، من مُوجِبه إعلامكم أن الفضة التي بعثتم لي مع إمام المسجد أحمد ولد ألفق المصطفى أتتني، وشكرتكم على ذلك، وقد بعثتها لكم لتردُّوها إلى الوزارة التي أرسلتها لكم، وما رددتها لكم إلا لأني رأيتُ كثيرا كثيرا من الأحاديث الصحيحة فيها التحذير والوعيد لمن يأخذ على تعليم القرأن أو العلم شيئا من الدنيا، فأنا أخافُ ذلك الوعيد، وقد كنتُ نويتُ قَبْلُ لِـ للهِ أن لا آخذ نوعا من الدنيا في مقابلة تعليم أحد من المسلمين، ولا أقدر أن أنقض تلك النية، ولا أُقَاسُ على السادة الذين يُقْرِئُون بأمر من الحكومة، وتعطيهم المال ويأخذونه، فأخذهم للمال ليس في مقابلة التعليم، حاشاهم من ذلك، وإنما هو في مقابلة حبس الحكومة لهم عن تصرفهم في طلب معاش من يلزمهم، وأنا لستُ محبوسا، ولا أعملُ للحكومة، فأيُّ سبب آخذ مالها به؟، أسأل الله أن ينصرها ويسددها ويعينها، ويخذل أعداءها، فأطلبُ من سيادتك أيها السيد أن تقبل مني عذري، وتعتذر عني للوزارة التي أرسلت الفضة، وأنت أدرى بما تقول لهم، وما كنتُ أحب أن أصرح بعذري، لما فيه من شبه تزكية النفس، لكن ظننتُ أو تحققتُ أني يَجِبُ عليَّ أن أقوله، مخافة أن تظنوا أني رددتُ تكرمتكم من غير عذر../.. وكتبَ عبد الله بن داداه/ سادس المحرم عام 1394 هـ>>../ الرسالة في مجموع بحوزتي يحوي رسائل وفتاوي للشيخ عبد الله ولد داداه رحمه الله..
قُلْتُ: كُتِبَتْ هذه الرسالة في يناير 1974، وتوفي الشيخ عبد الله في يوليو من نفس السنة، فكانت من آخر ما كتبه..
في الرسالة ورع وقناعة نادرين، وتلطف وثناء ودعاء للحكومة، يصنفه البعض عن جهلٍ "تصْفَاگًا"، وفيها فتوى بجواز أخذ الأجر على الوظائف الشرعية مقابل حبس القائم بها لنفسه عليها، وأخرى بجواز بيان العذر وإن تضمن شيئا من تزكية النفس..
يومي، ويومكم إلى توفيق وتوفيق.