
يبدو أن نظام الإستخلاف الحالي في موريتانيا لا يهتم بوضع أسس التغيير السياسي الشامل من أجل الوطن بقدر ما هو مسكون بجعل الطريق سالكا للرئيس الحالي من أجل ضمان الفوز بالإنتخابات الرئاسية القادمة و لو تطلب منه ذلك الدوس على حقوق المواطنين الأبرياء، و تعريض مستقبل التغيير الإيجابي في موريتانيا للخطر.
إن الأدلة و القرائن الواضحة على ذلك كثيرة لمن يفهم في السياسة و يتابع الشأن العام الوطني، و ذلك منذو أزمة المرجعية و التحقيق "البرلماني" الموجه بدقة نحو أي منافس سياسي قد يشكل خطرا على النظام و،السجن الظالم و التعسفي للرئيس عزيز دون محاكمة حتى الآن! مرورا بالتحالفات المشبوهة مع دعاة العنصرية و التفرقة و استرضائهم على حساب التغيير السياسي الجاد و المثمر.
إن آخر تجليات تلك الممارسات -التي تنم عن خبث سياسي يؤخر و لا يقدم و لم يعد يصلح لقيادة الشعوب إلى التقدم و التنمية في عصرنا الحالي- هو قانون الجنسية الجديد الذي أضاف شريحة ال"بدون" ( أبشع الممارسات اللا إنسانية و غير الأخلاقية في المشرق العربي) لمجتمعنا الذي يئن أصلا تحت رحمة الشرائحية و المتسولين عبرها في الخارج و المتاجرين بها في الداخل و الأخطر من ذلك كله أنه حرم النخبة الموريتانية في الخارج ( الأمل الوحيد للتغيير الحقيقي نظرا للإفلاس السياسي لأغلبية النخبة في الداخل و استسلام البعض الآخر) من ممارسة حقها في السياسة من أجل بناء وطن طردهم بظلمه و مضايقاته و عدم إنصافه لهم ليشيبوا بعيدا عن الديار و أهلها في انتظار لحظة التغيير الحقيقي في وطن أحبوه و أحبوا أهله و عضوا على التمسك به بالنواجذ رغم كل الصعاب بحثا عن الحرية و الكرامة و غد أفضل لأبنائهم!
تشكل الثنائي بوعماتو و ولد الشافعي ( يحملان جنسيات أخرى) سياسيا في الخارج لمقارعة نظام العشرية بقيادة الرئيس عزيز و ربما كان ذلك التشكل برعاية من مخابرات الخلايا الحية في رأس النظام اليوم بعد أن كانت خلايا ميتة مزروعة في جسم نظام الأمس (نظام العشرية)!!
لقد أثبت هذا الثنائي قدرة كبيرة على مضايقة الأنظمة و خبرة في استثمار العلاقات الواسعة من أجل تحريك الرأي العام في الداخل والخارج و إقناع أهل السياسة على النضال الجماعي رغم التباين الإيديولوجي و التاريخي.
عاد هذا التحالف إلى أرض الوطن بعد الإستخلاف الرئاسي ليمارس حياة عادية بعد سنوات من المهجر سمحت له بتراكم خبرة كبيرة في النضال و اكتساب حنكة سياسية قد تقفز به في أية لحظة إلى رأس السلطة.
لم تغب هذه الأمور كلها عن النظام الحالي و خصوصا بعد الترحيب الكبير الذي لقيه هذا الثنائي من جميع الأطياف السياسية و المجتمعية حيث أضحى هذا الثنائي القلق الأول للنظام الحالي في الرئاسيات المقبلة خصوصا بعد الحديث عن بعض التحركات من أجل الوساطة بين الرئيس عزيز و صديقه-العدو بوعماتو.
كان رجل الأعمال و السياسي بوعماتو سخيا مع النظام في مواجة و باء كورونا و كذلك ولد الشافعي، لكن يبدو أن ذلك لم يشفع لهما عندما يتعلق الأمر بإزالة أي تهديد إنتخابي على الرئاسة فجاء قانون االجنسية الجديد ( على غرار اللجنة البرلمانية) عبر وزير "عدلنا" القادم من المشرق! ليقطع الطريق أمام طموحات الرجلين في الرئاسة و خصوصا بعد أي تقارب محتمل في أية لحظة بين بوعماتو و الرئيس عزيز يؤدي إلى إقناع جل الطيف السياسي باختيار بوعماتو كمرشح توافقي للإنتخابات الرئاسية المقبلة الأمر الذي قد يؤدي إلى هزيمة مدوية للرئيس عزواني لا يمكن التحايل عليها.
لقد كانت الضربة موجعة و فعالة بحيث اختفت أخبار التقارب بين عزيز و بوعماتو كما قبل ولد الشافعي أن يكون مستشارا لرئيس دولة أخرى مبتعدا بذلك عن لعب دور في السياسة الوطنية!
لم يكترث النظام الحالي لما تعرضت له شريحة واسعة من خيرة أبناء الوطن جراء هذا القانون الجائر و ذلك بحرمانهم من الحصول على حقهم كباقي المواطنين في ممارسة السياسة و تقديم ما لديهم للشعب ليرفضهم أو يتقبلهم لشغل مناصب انتخابية أو حكومية هم أدرى الناس بالعمل الجاد فيها كي نصل إلى تغيير حقيقي نحن في أمس الحاجة إليه.
لم يكتف النظام بهذه الجريمة في حق الوطن و يحسن السكوت بل قرر أن يقوم بتبريرها لإخفاء الجرم و تخفيف ردة الفعل فكان الدور على وزير " العدل" الذي برر حرمان خيرة من أبناء وطنه ثقافة و وعيا و تضحية و تكوينا بأن المناصب الإنتخابية و المناصب العليا قد تتعارض مع يمين هؤلاء حين أقسموا لاكتساب جنسية أخرى فكان العذر بعد الذنب من أغرب ما قد يصدر عن من يتوسم فيه كل الخير و التكوين و الخبرة و الإنصاف و العدل!
أولا: لم أسمع يوما أن هناك دولة في العالم يقسم مكتسبوا جنسيتها على الإضرار بالجمهورية الإسلامية الموريتانية عبر تقلد مناصب عليا فيها و إذا كان الأمر كذلك فعلى الدولة أن تستفسر عن الأمر و تصححه بالطرق الدبلماسية المعروفة أو عن طريق رفع دعوى قضائية ضد تلك الدولة بدلا من القفز على التعدي على حقوق مواطنين لا يزالون يطالبون بالإنصاف منذ أمد دون الحصول عليه! .
ثانيا: إذا كان اكتساب جنسية جديدة يتعارض مع حقوق مواطن ثابتة و سابقة عليها، فالأولى عدلا و إنصافا و قانونا أن نحفظ حقوق هذا المواطن "السابقة قانونيا" وذلك بالتخلي عن الجنسية الجديدة "اللاحقة قانونيا" عند تقلد تلك المناصب بدلا من حرمان المواطن من حق سابق و ثابت بسبب حق لاحق و مكتسب!
ثالثا: إذا قمنا بتحكيم العقل و المنطق، هل يعقل أن تكون مصالح موريتانيا - المصنفة عالميا من أفقر دول العالم و أشدها تخلفا و اعتمادا على التسول الدولي الذي يسميه العالم مجاملة "المساعدات الدولية"- هل يعقل إذن أن تكون مصالح هذه الدولة أهم و أكثر حساسية من مصالح الدول التي تقود العالم و ترسم حضارة الإنسانية المعاصرة دون منازع، بحيث تمنع الدولة الفقيرة حقوق مواطنين ولدوا و تربوا فيها بحجة المصالح و تقوم الدول الغنية و المتطورة بمنحهم جنسيتها كاملة دون تقييد في الحقوق أو المناصب و دون خوف على مصالحها و ذلك على الرغم من أنهم جاؤوا يحملون معهم جنسية تلك الدولة الفقيرة؟ الجواب لأي عاقل!
رابعا: كل المسؤولين الموريتانيين السامين تقريبا حصلوا على شهاداتهم و خبراتهم خارج الوطن و العبرة في التكوين و الخلفية الثقافية لا في و رقة ثبوتية لحماية الحقوق و تنويع الفرص و ضمان المستقبل أكثر من أي شيء آخر و لا تضيف شيئا على الطابع الشخصي العام!
إن هذا النوع من القوانين السياسية الهدامة غير الأخلاقية لم يعد يساير العصر و لم يعد يخدم حتى أولئك الذين قاموا بسنها .
رحم الله عزيزا ما أعدله!! لقد أتاح للموريتانيين في الخارج فرصهم في تنمية دولتهم و لو بعشر جنسيات أجنبية (الوزارة الأولى، وزارة الخارجية على سبيل المثال لا الحصر ) رغم تحفظنا على الموافقة الرئاسية كشرط للإحتفاظ بالجنسية آنذاك .
إن على الرئيس غزواني أن يصدر أوامره فورا و دون تردد لرفع الظلم عن المواطنين و دمج خيرة أبناء الوطن في تنمية وطنهم ! و إرجاع حقوقهم التي سبقت كيان الدولة ! و ستبقى رغم كل الظلم و المضايقات.
لا أستغرب سكوت بوعماتو و ولد الشافعي على الظلم الذي تعرضا له فقد تأتي ردة فعلهما متأخرة بعد التنسيق و الدراسة و لا أستغرب سكوت المتشدقين بالدفاع عن الحقوق و عدم الشرائحية فإضافة شريحة ال"بدون" إلى قائمة شرائحهم قد تزيد ميزانية التسول في الخارج و ترفع سقف المقايضة في الداخل، إلا أنني أستغرب و بشدة سكوت الموريتانيين في الخارج الذين تعرضوا لأبشع ظلم في تاريخ الدولة و لم يعد لديهم ما قد يخسرونه حين يطالبون بحقوقهم الثابتة!
لقد كانت التصويبة السياسية دقيقة في إصابة الهدف ( بوعماتو و ولد الشافعي) لكن شظاياها أصابت الأبرياء(الدولة الموريتانية و الموريتانيون في الخارج)!
هكذا تكون النتيجة عندما يتحول العسكري إلى سياسي ! فالعسكري مكون على التحكم في طلقة لا تتشظى كي لا تصيب غير الهدف، بينما يتكون السياسي على التحكم في قرارات تتشظى ارتداداتها في كل الإتجاهات حتى لا يصيب الأبرياء!
....طابت أوقاتكم....
باب ولد الشيخ سيديا....خبير إقتصادي و سياسي














