الجميع يستعد لأيام تشاورية حول التعليم... أسباب الفشل وسبل المعالجة والكثير يعقد آمالا عريضة علي مخرجات تلك الأيام من أجل انتشال التعليم من واقعه المزري الذي يعيشه منذ عقود بفعل السياسات الإرتجالية من جهات غير مؤهلة من جهة وإبعاد أهل الإختصاص عن دائرة صنع القرار التربوي من جهة أخري.
كانت إصلاحات 59 و67 و73 خطوات ملموسة علي طريق تحقيق إستقلال ثقافي حقيقي بطيئ ولكنه جاد ومدروس حيث كان كل إصلاح لاحق يعالج بعض النواقص من الإصلاح السالف.......لم تكن تلك الإصلاحات ثورة -ولم يكن بالإمكان أن تكون- و كانت الخطوات خجولة ولكنها كانت نابعة من سياسة واعية وهدف قد لا يزال بعيدا ولكنه واضح المعالم.....
جاء العسكر عام 78 وجاؤوا معهم بالإرتجال في كل شيئ وكان نصيب التعليم من ذاك الإرتجال وافرا فبدأت المنظومة التربوية في مسار قهقري وتراجع مستمر لكل تلك المكاسب التي تحققت قبل ذلك.
جاء ما سموه إصلاح 79 وجاء بعد ذلك إصلاح 99 فأسس كلاهما لوجود شعبين في دولة واحدة أحدهما يلوذ بالفرنسية بحجة أنها لغة علم وعلوم لا يمكن الإستغناء عنها لمن أراد مسايرة ركب الحضارة المعاصرة و شعب آخر متشبث باللغة العربية كلغة جامعة لكل الموريتانيين وكلغة منافسة وقادرة علي حمل المعارف كلها كما حملتها أيام كان الرشيد وكان بيت الحكمة وكانت الترجمات وكانت العلوم كلها تنطق بالعربي.....
وسيشهد هذا التشاور اصطفافا بينا بين اتجاه يري في اللغة العربية حاجة وضرورة وعنوان هوية واستقلال ثقافي ولغة تملك من أسباب القدرة التنافسية في عالم اللسانيات وفقه اللغات وبيانها وبلاغتها ما لا تملكه أية لغة أخري في العالم و آخر يري اللغة الفرنسية حاجة لا غني عنها ويتمسك بها كلغة تعليم وإدارة ويقول بعلاقة سببية بين الأخذ بها والأخذ بأسباب التطور الإقتصادي والإجتماعي والسياسي.
حسب آخر التقارير الصادرة عن المؤسسات المالية الدولية كانت الدول العشرة الأغني علي مستوي القارة الإفريقية لعام 2020 نيجيريا جنوب إفريقيا مصر الجزائر المغرب أثيوبيا كينيا أنقولا غانا و تنزانيا.
أما الدول العشرة الأكثر كسلا إقتصاديا علي مستوي القارة فكانت: بوروندي جنوب السودان مالاوي موزنبيق سيراليون جمهورية الكونغو الديمقراطية زينبابوي جمهورية وسط إفريقيا مدغشقر و النيجر.
من هذه المعطيات يمكننا الخروج بالملاحظات التالية:
الملاحظة الأولي أن ثلاثة من الدول الإفريقية الأكثر حيوية إقتصادية يستخدمون اللغة العربية لغة الإدارة و التعليم وهذه الدول هي مصر والجزائر والمغرب.....في حين أن إثنتين من هذه الدول الإفريقية الغنية تستخدمان لغتيهما الوطنيتين الأمهرية بالنسبة لأثيوبيا والسواحلية بالنسبة لتنزانيا وأن لا دولة واحدة من هذه الدول العشرة تستخدم اللغة الفرنسية لغة تعليم وإدارة.
الملاحظة الثانية أن خمسة من بين العشرة الأكثر كسلا اقتصاديا في إفريقيا هي دول تشبثت باللغة الفرنسية كلغة ناظمة للإدارة والتعليم وهذه الدول هي بورندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية وسط إفريقيا ومدقشقر والنيجر.....وبقية هذه اللائحة إما دول فاشلة كما هو حال زينبابوي أو دول حديثة العهد بالإستقلال كما هو حال جنوب السودان.
من جهة أخري تشهد القارة حروبا أهلية ونزاعات مسلحة من حين لآخر ومن أكثر هذه النزاعات والحروب خطورة ودموية ما يحدث في : مالي
و بوركينافاسو و النيجر و نيجيريا و اتشاد والكاميرون وجمهورية وسط إفريقيا و جمهورية الكونغو الديمقراطية.
مما تقدم تأتي الملاحظة الثالثة و هي أن من ضمن ثماني دول تشهد حروبا أهلية ونزاعات مسلحة ستة منها مستعمرات فرنسية سابقة ومازالت اللغة الفرنسية لغتها الرسمية ولغة تعليمها وإدارتها: مالي بوركينافاسو النيجر اتشاد الكاميرون و جمهورية وسط إفريقيا وسابعتها مستعمرة بلجيكية ولكنها افرانكوفوية: جمهورية الكونغو الديمقراطية.
بناء علي ما سبق يمكن القول بوجود علاقة سببية بين الأخذ بأسباب الفشل الإقتصادي والسياسي وبين علاقة الشعوب الإفريقية بالمستعمر الفرنسي وثقافته ولغته قبل الإستقلال وبعده ........أما أن يدفع البعض بكون هذه اللغة هي وحدها القادرة علي ضمان تطور منظومتنا التربوية وهي وحدها القادرة علي الإمساك بأسباب التحصيل المعرفي والتنمية الإقتصادية والإجتماعية فذلك رأي من
يفكر بلسانه لا بعقله.