السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السادة والسيدات..إن امة تحترم نفسها وتأمل لابنائها مستقبلا مشرقا لابد ان تضع المدرس ومؤطره في ظروف مادية واجتماعية تمكنه من حياة كريمة تجعله يتفرغ للمهمة النبيلة الموكلة إليه من طرف المجتمع.. مهمة تكوين اجيال صالحة قادرة على بناء وطنها والنهوض به....
اسمحوا لي أيها السادة والسيدات بتقديم هذه الورقة وعنوانها:
"إشكالية اللغة ومحوريتها فى كل إصلاحات التعليم؛"
يقول : د.محي الدين صابر:
" كانت صورة الشناقطة فى البلاد العربية أنهم الممثلون الأوفياء للثقافة العربية الإسلامية فى نقائها وأصالتها وأنهم سدنتها فى قاصية ديار الإسلام، المرابطون على ثغورها حفاظا عليها ونشرا وإشعاعا بها."
كانت هذه الصورة مطابقة لواقع هذه الأرض التى كان الأوائل فيها يتخذون من ظهور العيس مدارس متنقلة لبث وتعليم العلم، فبهروا كل من لقيهم وبذوا كل من غالبهم،
وقد خلف من بعد تلك الأجيال خلف أضاعوا تلك الأمانة وفرطوا فى تلك الصورة الناصعة، وأخذوا لغة الأغيار تاركين لغة الضاد وراء ظهورهم، وقد طالتهم عدوى ما أصاب العالم الإسلامي من امِّساخ وانبهار بالآخر وذلك منذ مطلع القرن العشرين فلم يعد الإنسان المسلم منتجا للثقافة مصدرا للعلوم وإنما صار قابعا قانعا بما يتناثر عليه من فُتات الآخر، إنسان لم يهزم أمام الآخرين وإنما هزم أمام نفسه ولقد زاد من وقع هذه الهزيمة وساهم فى ترسيخ عقابيلها أنه حين أفاق من سبات عميق وجد نفسه فى مواجهة حضارة تتضاخم وتتعاظم بسرعة لا يكاد يلحق بها الخيال وظن أنه لا طاقة له بهذا الجالوت وجنوده، فقنع من الغنيمة بالإياب وأخلد إلى الأرض، وأصبح قصارى ما يطمح إليه أن يعيش طفيليا على هذا المخلوق الجبار الذى أصابه بالإنبهار،
أما الشعوب الواعية فقد أدركت أن لا سبيل إلى التطور والنماء غير إنتاج التكنلوجيا، والإستفادة من كل العلوم ولن يتم ذلك - كما أثبتت التجارب- إلا بأخذ العلوم باللغات الأم ، وذلك من خلال ترجمة علوم الآخرين إلى لغة الدولة والشعب نفسه،
ليتساوى الجميع فى الإفادة منها، وتعتبر ترجمة العلوم والمعارف من أهم عوامل النهضة والرقي، فأروبا لم تنهض إلا بعد ترجمة علوم ومعارف الأمم السابقة، فلولا ترجمة كتب الرياضي المسلم الخوارزمي لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه فى الرياضيات، وهكذا مع ابن سينا فى الطب وابن رشد فى الفلسفة والفكر...
يقول الأستاذ الكبير : أحمد حسن الزيات " إن العلوم اليوم أروبية وأمريكية ما فى ذلك شك ، وإنما الفروق التى باعدت بين الشرق والغرب فى مدلول الإنسانية الراقية إنما يجمعها كلها لفظ العلم ، وهذا العلم الذى يسخر السماوات والأرض للإنسان الضعيف ويذلل الطبيعة للإنسان الفرد، سيبقى غريبا عنا ما لم ننقله إلى ملكنا بالتعريب ، ونعممه فى شعبنا بالنشر، ولا يمكن أن يصلنا به أو يدنينا منه كثرة المدارس ولا وفرة الطلاب، فإن من المحال أن ننقل الأمة كلها إلى العلم عن طريق المدرسة ولكن من الممكن أن ننقل العلم كله أبى الأمة عن طريق الترجمة ".انتهى الإستشهاد
لذلك ليس غريبا أن نرى الأمم المتقدمة بلا استنثاء تصر على أن يتعلم المرأ بلغته التى ارتضع لبانها من لبن أمه فمعلوم أن الطالب يتلقى العلم تلقيا أفضل بلغة الأم، وأن المدرس يوصل إليه المعلومة توصيلا أفضل بلغته الأم وأن الإثنين يتمكنان تعلما وتعليما من التواصل والتفاعل والإبداع بدرجة أنجع لتلك اللغة الساربة عميقا فى عروقهما بعيدا عن تشتت الذهن بين دفق المعرفة الجديدة ومغاليق اللغة الغريبة، فالذى يدرس نصا علميا بغير لغته يتعامل مع مفردات النص مفردة مفردة باذلا جهده فى فهم كل منها على حدة بغض النظر عن سياقها إنه ينصرف إلى دراسة تفاصيل العبارة ولكنه يخفق فى أن يستخرج المعنى الكامن فى الجملة ككل
وانطلاقا من كل ما سبق وتأسيسا عليه فإنه يظهر مدى أهمية اللغة فى أي تطور أو إصلاح ولذلك يلاحظ المتتبع للإصلاحات الكثيرة التي قيم بها فى هذا الوطن أن اللغة كانت دائمة هي الباعث والمحرك الخفي لهذه الإصلاحات،
وفيها دائما يكمن الشيطان،
▪︎ ففى إصلاح 1959 حدد فترة التعليم الإبتدائي بخمس سنوات وأدخل اللغة العربية بشكل إلزامي فى المرحلة الإبتدائية، ولا يتجاوز أربع ساعات ونصف اسبوعيا، أما فى المرحلة الثانوية فقد كان نصيب العربية ساعتين اسبوعيا فقط،
▪︎أما إصلاح 1967م فقد زاد المرحلة الإبتدائية سنة واحدة حيث صار سبع سنوات، وكانت السنة الأولى معربة بالكامل وبقي ثلثا 2/3 وقت السنتين: ،6و7فرنسيا. وقد شكل إصلاح1973 نقلة نوعية باتجاه التعريب،وكان توزيع اللغتين على النحو التالي:
¤ اللغة العربية
السنة الأولى والثانية: 30 ساعة اسبوعيا،
والسنة الثالثة والرابعة عشرين ساعة
السنة الخامسة. 15 ساعة،
والسنة السادسة :10 ساعات،
¤ اللغة الفرنسية:
السنوات الأولى والثانية صفر،ساعة
والسنة الثالثة والرابعة10 ساعات
والسنة الخامسة15 ساعة
والسادسة20ساعة،
▪︎ وقد تميز هذا الإصلاح بجعل مادة التربية الإسلامية إجبارية فى كل الشعب،كما أدخل خمس ساعات اسبوعيا من العربية فى المرحلة الثانوية،
وبموجبه دخلت اللغة العربية إلى الشهادة الإعدادية سنة 1974 لأول مرة فى تاريخ موريتانيا،
☆ أما إصلاح 1979 فقد أوصى ب:
١- أن تكون السنة الأولى معربة بالكامل كما أقر خيار الشعب، حيث قسم وكرس التقسيم الثقافي فأنشأ: جيلين متباينينمختلفي الثقافة والعقلية والوجدان أحدهما معرب والآخر مفرنس،
¤ إصلاح 1999م
حاول هذا الإصلاح أن ينشئ جيلا موحد الثقافة لكنه وللأسف فشل فشلا ذريعا:
ومن أهم إجراءاته:
١- تدريس التربية المدنية ابتداء من السنة الأولى كمادة مستقلة
٢- التعريب الكامل للسنة الأولى،
٣- تدريس اللغة الفرنسية بمعدل 6ساعات ابتداء من السنة الثانية أساسية،
٤- تدريس الرياضيات باللغة الفرنسية ابتداء من السنة الثالثة ابتدائية
ه- تدريس العلوم الطبيعية باللغة الفرنسية ابتداء من السنة الخامسة
٦- زيادة التعليم الإعدادي بسنة.
...إلخ..
♧- ويلاحظ بعد أزيد من عشرين سنة من هذا الإصلاح أن نتائجه كانت كارثية للأسف وأرى أن من أهم أسباب هذا الفشل هو الإرتجالية وعدم التخطيط الذان طبعا هذا الإصلاح الذى يفترض وجود أعداد من المدرسين المفرنسين لا يوجد منهم حينئذ سوى 05%منهم،
مما اضطر الميدانيين إلى استخدام المعربين كمزدوجين، واستخدام أساتذة الرياضيات والعلوم المعربين لتدريسها بالفرنسية.
وسأكتفى هنا باقتباس من مقال للدكتور الأكاديمي محمدو ولد احظانا نشره سنة 2010م عنوانه " إصلاح1999م غرفة انعدام الوزن".( نقلا عن رسالة تخرج المفتش : د. محد ولد امنى، بتصرف)
حيث شبه وضعية التعليم غب هذا الإصلاح بوضعية المقيم فى منطقة انعدام الوزن، حيث يتحرك المقيم فيها متى شاء لكنه لا يتحكم فى شكل الحركة ولا فى أي اتجاه يسير، وقد عدد سبعا من الإختلالات منها :
١- إهمال عامل الزمن فى تطبيق الإصلاح،
فالشجرة لا تنبت دفعة والكائن الحي لا يكبر دفعة وإنما يتدرج،
٢- الخلل الثانى: "التكيف المرضي مع التعليمات"
وهو يعنى به أن الفنيين المشرفين على ذلك الإصلاح لم يمتلكوا الشجاعة الفكرية ليوضحوا لأصحاب القرار أن تنفيذ الإصلاح فى الوقت المحدد ضرب من الخيال وإنما كانوا ينفذون التعليمات ويوهمون من فوقهم أن الأمور تسير على ما يرام،
٣- الخلل الثالث: إهمال كل ما يتعلق بالتربية الخاصة : وهو خلل جوهري فى العملية التربوية مما جرد الإصلاح من تحقيق أهدافه حيث تم إلقاء البرنامج على عواهنه دون اكتتاب طاقم يدرسه بجداوله اليومية ومواده المتخفية وراء السواتر اللغوية السميكة ...
٤- الخلل الرابع: استحضار التشغيل فى نتائج العملية التعليمية
٥- عدم ترسيم الحدود بين التعليم العام والتعليم الخاص من طرف الإصلاح وتطبيقاته،
لقد لعب وضع التعليم الخاص دورا ما فى تحويل الإنتباه الإجتماعي فى المدن الكبرى عن التعليم الحكومي الذى يستفيد منه أغلب الشعب ولذا أصبح التلميذ فى التعليم العام تلميذا من الدرجة الثانية وزميله فى التعليم الخاص من الدرجة الأولى وهو نوع من تكريس قواعد التربية على اساس الوفرة والندرة المادية ، وهذا يعتبر تكريسا خطيرا للطبقية ونكوصا عن أهم أهداف المدرسة فالمدرسة تعرف بأنها مؤسسة تهدف إلى محو الفوارق ونشر العلم
٦- الخلل السادس: الفساد الإداري فى مؤسسة التربية والتعليم
فلقد عانى التعليم كغيره من القطاعات من فساد الإدارة ولقد كانت التمويلات والمشاريع المجذوذة من أصولها هي رائدة التفكير التربوي ،
▪︎وأرى أنه كي نعد إصلاحا قابلا للحياة ملبيا للتطلعات علينا أن نتجنب كل المطبات التى وقعت فيها الاصلاحات السابقة، ونستفيد من أخطائنا ،
وأخيرا أعتقد أن أي شعب حاول الإنبتات من دينه مصيره الزوال والتلاشى ومن جميل الصدف وحسن الطالع أننا جميعا فى هذه الدولة يجمعنا ويوحدنا الدين والتاريخ والجغرافيا، لذا أرى:
١▪︎- أن نعطي لمادة التربية الإسلامية ما تستحق من عناية وتقدير ويتم ذلك بفرضها فى كل الشهادات وزيادة وقتها واشتراط درجة 5من 20على الأقل للتجاوز والنجاح فى كل المراحل والشهادات،
فاستمرارية الدين مربوطة بتعليمه الناشئة على حد قول العلامة الشيخ محمدو حامد ولد آلا الحسني:
والدين مبقاه أن تأتى الصغار به
وحيث لا فإذن لم يبق من دين.
٢ ▪︎- تدريس المواد العلمية فى كل المراحل الدراسية باللغة العربية،
٣ ▪︎- تدريس الولفية والابولارية والسننكية ابتداء من المرحلة الإبتدائية، وإعطائها الأهمية اللائقة باعتبارها لغات وطنية متأصلة.
٤ ▪︎- حصر تدريس اللغة الفرنسية علوم على اللغة نفسها( التعبير،الكتابة، النحو والصرف فقط )
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى:"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب."
المفتش: محمدن ولد حبيب الله،
مفتش مقاطعة المذرذرة.