وانطلق التحضير للتشاور الوطني الشامل..وماذا بعد؟
انطلقت اليوم الجلسة الأولى من الجلسات المحضرة للتشاور الوطني الشامل، وقد تكون هذه مناسبة للحديث عن هذا التشاور من خلال الإجابة على الأسئلة التي قد تطرح، وهي أسئلة من قبيل:
ـ ما جديد هذا التشاور أو ما هي ميزاته التي قد تجعله مختلفا عن الحوارات والمشاورات السابقة؟
ـ ما هي السيناريوهات المتوقعة؟
ـ هل من غائب عن هذا التشاور؟
أولا/ بماذا يتميز هذا التشاور عن الحوارات والمشاورات التي سبقته؟
في اعتقادي الشخصي أن هذا التشاور جمع ثلاث ميزات أساسية لم تجتمع في الحوارات والمشاورات التي تم تنظيمها خلال الخمسَ عشرة سنة الأخيرة:
الميزة الأولى : أنه لم يأت نتيجة لأزمة سياسية خانقة، ذلك أن الساحة السياسية تعيش منذ انتخاب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني حالة من الهدوء والتهدئة لم يعهدها الموريتانيون خلال العقد الأخير؛
الميزة الثانية : أنه تشاور وطني دون مشاركة أي جهة خارجية، عكس حوار داكار الذي تم تنظيمه خارج البلاد وبرعاية أجنبية؛
الميزة الثالثة :أن التحضير له سيتم من خلال كل الأحزاب السياسية، وكل المترشحين في آخر انتخابات رئاسية، هذا فضلا عن مشاركة خاصة مُنحت لرئيس مشروع حزب القوى التقدمية للتغيير (أفلام سابقا).
ثانيا/ ما هي السيناريوهات المتوقعة؟
هناك سيناريوهان محتملان : الأول أن يفشل التشاور لا قدر الله من قبل أن يتوصل إلى نتائج، والثاني أن ينجح، وفي حالة نجاحه سنكون أمام سيناريوهين فرعيين.
احتمال الفشل : يبقى احتمال الفشل واردا، فهناك طائفة من موالاة الرئيس لم تكن متحمسة للحوار، وهي قد تعودت على الانفراد بالرئيس والحكم، وتعتقد أن التشاور سيكون خطرا عليها وعلى مصالحها الضيقة. وتحتج هذه الطائفة بأن الرئيس لديه برنامجه الانتخابي الذي التزم بتنفيذه للشعب الموريتاني وليس من الوارد أن ينشغل بتوصيات التشاور عن التزاماته الانتخابية،وهناك طائفة من المعارضة لم تكن هي أيضا متحمسة للتشاور، وهي ترى أن دور المعارضة أقرب إلى الصدام منه إلى التشاور، ولكن إصرار الرئيس على تنظيم تشاور شامل، وخوف تلك الأطراف أن تظهر للشعب الموريتاني وكأنها ترفض الحوار، كل ذلك دفعها إلى قبول الدعوة والمشاركة في جلسات التحضير للتشاور. فهل ستتمكن الأطراف غير المتحمسة في الأغلبية والمعارضة من إفشال التشاور؟ يبقى ذلك السيناريو محتملا، حتى وإن كان ضعيفا.
احتمال النجاح: هذا هو الاحتمال الذي يتمناه كل من يضع مصلحة موريتانيا فوق أي مصلحة ضيقة أخرى، وهذا الاحتمال سيتحقق ـ بإذن الله ـ إذا كان المشاركون على قدر كبير من المسؤولية والنضج والتضحية بالمصالح الضيقة من أجل الصالح العام.
إن نجاح التشاور يعني أن تتفق الأطراف المشاركة على حزمة من الحلول لبعض القضايا الكبرى والمشاكل المستعصية،على أن يتم وضع آلية لمتابعة تنفيذ تلك الحلول، وفي حالة حصول ذلك فإننا سنكون أمام احتمالين اثنين:
1ـ أن يتم البدء في تنفيذ تلك الحلول من طرف النظام الحاكم وفق الآليات التي تم وضعها، وهنا ستربح كل الأطراف، فالرئيس سيجد دعما وطنيا واسعاهو بحاجة إليه لتنفيذ حلول تتعلق بقضايا كبرى ظلت شائكة لعقود،ولا يمكن أن تحل إلا في ظل إجماع وطني واسع، والمعارضة ستربح كذلك لأنها ستجد أن بعض مطالبها في طريقها إلى التحقق، كما أنهاسَتُشرك ـ بشكل أو بآخر ـ في متابعة تنفيذ تلك المطالب التي تم الاتفاق عليها.
2 ـ أن يتقاعس النظام عن تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وهنا سيتاح للمعارضة أن ترفع مطالب وطنية كانت محل إجماع واسع، وبذلك ستكتسب مطالب المعارضة شرعية أكبر، كما أن تلك المطالب ستستقطب جمهورا أكبر يمكن للمعارضة أن تستثمره نضاليا وسياسيا.
ثالثا / هل من غائب عن هذا التشاور؟
يمكن القول إن الغائب الأبرز كان هو الشباب الذي يشكل نسبة كبيرة في المجتمع، والذي ظل يوجد دائما على الخطوط الأمامية في الاحتجاجات وفي إنارة الرأي العام، وتوجيه النقد للسلطة و للمعارضة على حدِّ سواء.
إن مشكلة الشباب الموريتاني لم تكن في أي يوم من الأيام تتعلق بعدم قدرته على النضال، ولا عدم استعداده للتضحية،ولا في عجزه عن إنارة الرأي العام، بل كانت مشكلته ـ وما تزال ـ في عدم قدرته على الاستثمار السياسي لنضاله فيما يفيد الوطن، وفيما يمنح للشباب المكانة التي يستحق.
في يوم الاثنين، الموافق 15 مارس 2021 نشرتُ ورقة كاشفة تحت عنوان : " ما لمْ يُقل عن نضال الشباب الموريتاني"، وتحدثتُ في هذه الورقة عن نضال الشباب الموريتاني خلال العقد الأخير، وختمتها بما أعتقد أنه نقاط ضعف يعاني منها الشباب الموريتاني المهتم بالشأن العام، وعليه أن يتغلب عليها، ويمكن تلخيص نقاط الضعف تلك في النقاط التالية:
1 ـ العجز البين في القدرة على خلق مساحات عمل مشتركة تجمع أكبر عدد ممكن من الشباب المهتم بالشأن العام، مع ضعف واضح في القدرة على التنسيق.
2 ـ اقتناع الكثير من الشباب الموريتانيبأن دوره يقتصر فقط على نقد الأنظمة الحاكمة أو الطبقة السياسية التقليدية في الموالاة والمعارضة، الشيء الذي أبعده عن إنتاج الأفكار وتقديم المقترحات ومحاولة خلق البدائل السياسية؛
3 ـ غياب الرؤية والتخطيط والاكتفاء بردود الأفعال على ما يجري من أحداث؛
4 ـ سرعة الانجراف وراء الأخبار الكاذبة والسخيفة دون تحليلها والتأكد من مصداقيتها، وكذلك سرعة الانخراط في السب والشتم وفي الحملات التدوينية السلبية.
كان من المفترض أن يكون الشباب المهتم بالشأن العام، وخاصة المنخرط منه في حركات سياسية، قد استعدَّ لهذا التشاور من خلال إعداد وثائق تحمل رؤيته، وتشكيل تنسيقيات أو تكتلات شبابية تجمع أكبر عدد من الحركات الشبابية.
بالطبع كان يمكن للجهة المنظمة أن تستدعي مثلا رئيس مشروع حزب "موريتانيا إلى الأمام" كممثل للشباب، كما استدعت رئيس مشروع حزب "القوى التقدمية للتغيير"، ولكن لو أن مثل ذلك حدث لامتلأ اليوم هذا الفضاء بانتقاد تلك الخطوة، ولتعرض رئيس مشروع حزب "موريتانيا إلى الأمام" لهجمة إعلامية واسعة من طرف الشباب.
يمكن أن تلاحظوا بأن مرشح رئاسيات 2019 الشاب محمد الأمين المرتجي الوافي قد تعرض اليوم ـ أكثر من غيره من المشاركين ـ لانتقادات المدونين الشباب، ومع ذلك فمصلحة الشباب المهتم بالشأن العام كانت تقتضي في ظل غياب أي تمثيل للشباب في الجلسات التحضيرية أن يُنسق مع المرشح الشاب لرئاسيات 2019 من أجل إسماع صوت الشباب في الجلسات التحضيرية.
انشغل المدونون الشباب بانتقاد الطبقة السياسية الموريتانية، وفي الطبقة السياسية الموريتانية الكثير مما يستحق النقد، خاصة سياراتها الفارهة، ولكن الأسئلة التي يجب أن تطرح الآن: هل يمكن أن نستورد طبقة سياسية من خارج البلاد للتحضير للتشاور؟ ولماذا لم يستطع الشباب الموريتاني أن يخلق طبقة سياسية بديلة ما دام غير راض عن الطبقة السياسية الموجودة؟ أليس من الأولى أن ينشغل الشباب في إعداد وثائق يشارك بها في التشاور ما دامت قد فاتته جلسات التحضير؟ أيهما أفضل للشباب الموريتاني وللوطن : الانشغال بنقد الطبقة السياسية والبقاء على هامش التشاور أم التخطيط للمشاركة ومحاولة ترك بصمة شبابية في مخرجات التشاور؟
حفظ الله موريتانيا...