يوشك الحديث في الجماع والجنس أن ينقرض من مجالس أهل الأدب عندنا بسبب تنزه النخبة عنه، وتأدبُهم ذلك ليس قطعا من الأدب، فهو عادة رهبانية أتتنا من الغرب لم نكن نعرفها، وقد تمردت شعوبهم على الكنيسة حين ضايقتهم، فتطرقوا للجماع تطرقا مبالغا فيه في أفلامهم ومسلسلاتهم ردا على تحجر رهبانهم وقمعهم لهم قرونا، ومثل ذلك مبالغتهم في الانحراف الجنسي الذي أتى ردةَ فعل على حشر الكنيسة أنفها داخل بيوتهم وغرفهم.
أما عندنا فلم يكن الغلام والجارية يبلغان الحلم، حتى يعرفا أحوال الجماع والجنس عموما، فالشريعة توجب تعليمهما ذلك، بسبب ما يترتب عليه من أحكام طهارة وصلاة وصوم ونكاح. بل إن الشيخ عندنا (الراهب عند النصارى) يسهب في شرح القصائد الجنسية التي لا بد لدارس العربية من المرور بها، فتجد الشيخ في المسجد يغوص في شرح مغامرات الشعراء الغرامية في الجاهلية ويشرح فاحش القول لا يتجاوز شيئا من ذلك، وليس أحد أورع من ذلك الشيخ ولا أتم أدبا.
لا يمكن التنزه عن الحديث في الجماع والجنس، خاصة إذا كان الحديث مأخوذا من أمات كتب اللغة كمجمع الأمثال والأغاني، فما بالنا نستحي من شيء لم يستح منه أبو الفرج والميداني وغيرهما من أئمة الدين واللغة؟
وقد سخر الجاحظ رحمه الله ممن يتنزهون عن الحديث في الجنس ويرون أنفسهم أرقى من البوح بالتلذذ به فقال:
"وبعضُ من يُظهر النُّسك، إذا ذُكرَ الحِرُ والأير تقزز وانقبض، وأكثر من تجده كذلك فإنما هو رجل ليس معه من النبل والوقار إلا بقدر هذا التصنُّع".
وقد قال فقيه المدينة أبو الزناد رحمه الله لابن أخيه: "يا بُني، لو رأيتَ عمك يجامع لظننتَ أنه لا يؤمن بالله".