حول اللغة في التعليم والإدارة / المختار ولد كاكيه

بعد الاستفادة من آراء عديدة عرضت على الفضاء الإلكتروني العام، من أشخاص ثقات عندي ومظنة للنصح والسعي للصالح العام، ومن وحي تجربتي في الإدارة، أقترح ما يلي :

1/ التمسك بمقتضيات دستور 1991 وتفعيلها، أي كون اللغة الرسمية هي اللغة العربية، وكون اللغات الوطنية هي العربية، والبولارية، والسوننكية، والولفية.

2/ التدريس باللغة العربية ودراسة اللغات الوطنية:

وذلك من خلال:

• تبني نظام تعليمي حكيم وفعال، يعتمد اللغة العربية لغة تدريس رئيسية لجميع الأطفال الموريتانيين، في المرحلتين الأساسية والثانوية، قبل كل شيء نظرا لمكانتها الشرعية والعملية في حياة كل الأطفال الموريتانيين، وتفرض معه دراسة لغتين وطنيتين إحداهما العربية على كل طفل في الابتدائية، وليتم اختيار اللغة الثانوية بالنسبة لداخل البلاد حسب حضور تلك اللغة في المقاطعة التي توجد فيها المدرسة. وتخصص لتنفيذ هذا النظام التعليمي الجديد فترة انتقالية من سنتين هما 2021/2022 و2022/2023 (الحد الأدنى في اقتراح الأستاذ لوغورمو).

• تعطى عناية خاصة من حيث الضارب لمادة التربية الإسلامية، في المرحلتين الأساسية والثانوية، ويركز على إتقان أهم الأحكام الشرعية اليومية للمكلفين، وتبرز فيها القيم والأخلاق الإسلامية، وواجبات المواطن المسلم في الدولة القطرية الحديثة.

• ترشد الموارد وأهمها الوقت، مثلا باستحداث مادة اسمها الثقافة العامة، يركز فيها على الكيف مثل التاريخ الوطني المشترك بدل الكم، ويدمج فيها ما لا يسع الطفل والمكلف جهله من المقررات السابقة لمواد: التربية المدنية، والتاريخ والجغرافيا، والفلسفة.

• أقترح أن تكون الإعدادية جذرا مشتركا لكل الشعب، ومرحلة تعليم عام يعد لما بعده، وأن تكون في الثانوية شعب تخصصية أربع: (1) شعبة "العلوم الشرعية" وهي الشعبة الأصلية حاليا، (2) وشعبة "العلوم الطبيعية والرياضية" تدمج فيها شعبتا العلوم والرياضيات الحاليتين (3) وشعبة "الآداب والعلوم الإنسانية" لتحل محل شعبة الآداب العصرية، (4) وشعبة التعليم المهني بتخصصاته الفنية والصناعية والتجارية المختلفة. وفي إطار ترشيد الموارد والطاقات، لا يدرس في المرحلة الثانوية إلا ما يخدم تخصص كل شعبة.

 

3/ تدريس اللغات العالمية الأخرى:

• تستحدث مادتان بضاربين مهمين في المرحلة الثانوية: هما الإنكليزية، والفرنسية، يبنى فيهما في مرحلة الإعدادية الرصيد اللغوي لدى التلاميذ من القاموس العام لكل لغة، ويركز فيهما في المرحلة الثانوية على القاموس التخصصي المناسب لكل شعبة.

• في السلك الجامعي تعطى العناية لمصطلحات اللغة الإنكليزية لكل تخصص، وللغتين الفرنسية والصنهاجية في تخصصات الدراسات الإنسانية عموما والتاريخية خصوصا المتعلقة ببلادنا. كما يفرض في مدارس تكوين الإداريين وأسلاك الوظيفة العمومية الأخرى إتقان لغتين وطنيتين على الأقل إحداهما العربية.

 

4/ على مستوى الإدارة:

بداية، أود التأكيد على أن ترسيم العربية في الإدارة لا يمكن أن يكون عائقا حقيقيا أمام عطاء أي موريتاني. بل إن من لديهم لغة أم غير العربية سيكونون في الحالة الطبيعية قد أتقنوا حرف العربية لدراسة القرآن في الكتاتيب، وتزودوا بكثير من مفرداتها في مسيرتهم الحياتية، ودرسوا بها بعض المواد حتى نهاية المرحلة الثانوية وفق نظام 1999 المعمول به حتى الآن. وهم بذلك أحسن حظا اليوم وفي الأمد المتوسط من كثيرين ممن لغتهم الأم هي العربية.

وأحسب أن في تجربتي الشخصية ما يقرب هذه الفكرة إلى الأذهان، فإني درست في الثانوية باللغة العربية وفق نظام 1979، ثم كانت دراستي الجامعية باللغة الألمانية، لكني بعد التخرج استطعت بسهولة العمل في الخارج في وسط وظيفي يعتمد اللغة الانكليزية، وهي غير لغة دراستي في الثانوية ولا في الجامعة، ثم رجعت إلى البلاد لأعمل في البلاد بلغة غير كل ذلك، هي اللغة الفرنسية.

وحقيقة اللغات أنها إذا أبقيت في إطارها الطبيعي كوسيلة للتفاهم والتعبير عن الأفكار فإن مستوى متوسطا من إتقانها يفي بالمقصود.

وكم نرى في السفراء والعاملين في السفارات الأجنبية من بذلوا جهدا متوسطا في التحدث باللغة العربية، ولا نجد مشكلة في التفاهم معهم ورعاية المصالح المشتركة بيننا وبينهم، فكيف بإخوتنا في الإسلام وفي الوطن.

وعلى العموم فإني بخصوص لغة الإدارة أقترح:

• على الأمد القريب: (أ) تعميق فكرة مراكز خدمة المراجعين "خدماتي" على مستوى كل مرفق عمومي مورود، ليضم موظفين يمكنهم خدمة المراجعين بكل اللغات الوطنية، (ب) توفير مصالح للترجمة في كل وزارة ومؤسسة عمومية بين اللغتين العربية والفرنسية، وتكوين كل إطار في الإدارة على اللغة الأضعف لديه منهما. وتحويل الواقع اللغوي من خلال كل ذلك إلى عنصر قوة وتوفير فرص عمل، بدل اعتباره عائقا أو مشكلة.

• تفعيل اللغة العربية كلغة للإدارة وفق خطة زمنية متدرجة تراعي واقع تكوين جزء هام من الموريتانيين بالفرنسية، وقد كتبت سابقا مفصلا ومقترحا أن تبدأ تلك الخطة بمرحلة ازدواجية تكتيكية في القطاعات الفنية بين اللغتين العربية والفرنسية، مع توفر مصالح للترجمة وتكوين كل إطار في الإدارة على اللغة الأخرى، ولتأتي مرحلة أخرى تستفيد من مخرجات النظام التعليمي الجديد، لتصبح اللغة العربية في نهايتها لغة الإدارة الرسمية الفعلية، كما هو اللائق بنا كدولة إسلامية، وكما عبر عنه دستور البلاد.

 

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه