وفي حديثهم عما أحل الإسلام من مثل: الطلاق، وتعُّدد الزوجات ... كأن الحلال في نظرهم ما أحله الغرب، والحرام ما حرمه الغرب. ونسُوا أن الإسلام كلمة الله، وكلمة الله هي العليا دائما، فهو يتبع ولا يتبع، و يعلو ولا يعلى، وكيف يتبع الربُ العبد، أم كيف يخضع الخالق لأهواء المخلوقين؟
{وَلَو اتبَّعَ الْحَقُّ أهْوَاءَهُمْ لفَسَدتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} {المؤمنون:71] {قلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ قلِ اللَّه يَهْدِي لِلْحَقِ أفَمَنْ يَهْدِي إلِى الْحَقِ أحَقُّ أنْ يتُبَّعَ أمّ منْ لا يَهِدِي إِلاَّ أنْ يهُدىَ فمَا لَكُمْ كَيْفَ تحْكُمُونَ}[يونس:35]. هذا فريق.
والفريق الثاني جمد على آراء معينة في مسائل الحلال والحرام، تبعا لنص أو عبارة في كتاب، وظن ذلك هو الإسلام، فلم يتزحزح عن رأيه قيد شعرة، ولم يحاول أن يمتحن أدلة مذهبه أو رأيه، ويزنها بأدلة الآخرين، ويستخلص الحق بعد الموازنة والتمحيص.
فإذا سُئل عن حكم الموسيقى، أو الغناء، أو الشطرنج، أو تعليم المرأة، أو إبداء وجهها وكفيها... أو نحو ذلك من المسائل، كان أقرب شيء إلى لسانه أو قلمه: كلمة "حرام". ونسي هذا الفريق أدب السلف الصالح في هذا، حيث لم يكونوا يطلقون الحرام إلا على ما عُلم تحريمه قطعاً. وما عدا ذلك قالوا فيه: نكره، أو لا نحب، أو نحو هذه العبا رات.
وقد حاولت ألا أكون واحداً من الفريقين. فلم أر ض لديني أن أتخذ الغرب معبوداً لي، بعد أن رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً . ولم أرض لعقلي أن أقلد مذهبا معيناً في كل القضايا والمسائل أخطأ أو أصاب، فإن المقلد، كما قال ابن الجوزي: على غير ثقة فيما قلد فيه، وفي التقليدإبطال منفعة العقل، لأنه خلق للتأمل والتدبر. وقبيح بمن أعطي شمعة يستضيء بها أن يطفئها ويمشي في الظلمة.
أجل، لم أحاول أن أُقيّد نفسي بمذهب فقهيّ من المذاهب السائدة في العالم الإسلامي، ذلك أن الحق لا يشتمل عليه مذهب واحد. وأئمة هذه المذاهب المتبوعة لم يدعوا لأنفسهم العصمة، وإنما هم مجتهدون في تعرُّف الحق، فإن أخطأوا فلهم أجر، وان أصابوا فلهم أجران. قال الإمام مالك: كلُّ أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الإمام الشافعي: رأيي صواب يحتمل الخطأ، وأري غير ي خطأ يحتمل الصواب.
وغيرلائق بعالم مسلم يملك وسائل الموازنة والترجيح: أن يكون أسير مذهب واحد، أو خاضعا لرأي فقيه معين. بل الواجب أن يكون أسير الحُجة والدليل. فما صح دليله، وقويت حُجته، فهو أولى بالاتباع. وما ضعف سنده، ووهت حُجته، فهو مرفوض مهما يكن من قال به، وقديماً قال الإمام علي رضي الله عنه: "لا تعرف الحق بالرجال، بل اعرف الحق تعرف أهله" .














