كيف نفهم الإسلام (3)/محمدّو بن البار

في آخر المقال الثاني من هذا العنوان قدمنا أنه بعد انتهاء القرن الأول من الهجرة وانتهاء عصر التابعين خرج بين المسلمين طوائف أغراها الشيطان بأن تتوسع في معرفة حقيقة ذات الله وصفاته، الأمر الذي نهي الله عنه في محكم كتابه فقال : {{لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير}}، وقال : {{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}}.

فذكر الله أوصافه الدالة علي إحاطته بكل ما يصدر من البشر فكرا وقولا وفعلا بألفاظ موجودة في اللغة العربية التي نزل بها القرآن أي نزل بفحواها ومعانيها وعامها وخاصها وتعريفها وتنكيرها، فالنبي صلي الله عليه وسلم الذي نزل عليه القرآن بلغته يدرك معاني هذه الألفاظ، فالسمع والبصر والظل والحرور والسر والجهر إلي آخره، كل هذه المسميات واضحة المعاني عند المتلقي العربي آنذاك.

فمثلا قوله تعالي : {{وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون}}، وقوله تعالي : {{قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها}}، فهم النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه منها مراد الله من معانيها وهو :{{أن الله سميع بصير }}، يسمع المتكلم ويبصر القائل في أي مكان وأي وجه وأي ظرف، فلا حاجة للقول بأن الله عنده ذات منفردة عن سمعه وبصره، فهم يقولون هذه معاني متصفة بها تلك الذات ولكنها خارجة عنها، كما أن عمل هذه الصفات له متعلق وهو الأسماع والأبصار وأمثالهما من الصفات وهذه أيضا خارجة عن نفس الصفات، فمثلا الله عنده سمع وبصر خارجان عن ذاته وفعلهما من الأسماع والأبصار خارج عن الصفات، ولعلم الجميع فهذه عقيدة الأشعري التي نظمها عبد الواحد ابن عاشر وأصبح المسلمون ولاسيما ناحيتنا هذه تعتقدها وهذا الاعتقاد أصبح اتباعنا للإسلام جزء عقيدته تتبع فيه الإمام الأشعري، هذا الاعتقاد داخل هذا الدين من قام بالبحث الدقيق والاستقراء للقرآن والأحاديث فسوف لا يجد فيه أي أثر أن المسلم عليه أن يعتقد أن سمع الله وبصره منفصلين عن ذاته أي بائنين عنها، وأن اعتقاد هذا الانفصال هو جزء داخل في العقيدة الإسلامية.

فالله أكمل العقيدة والعبادة والمعاملات في قوله تعالي : {{اليوم أكملت لكم دينكم }} أي جميع ما حملتكم الفكر فيه أو قوله أو فعله وأمر النبي صلي الله عليه وسلم بأن يبلغنا وحيه ولذلك يقول تعالي : {{يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك }} إلي آخر الآية، كما أمره بأن يبين لنا ما يحتاج للتبيين من معان الألفاظ ا لعربية ومعانيها الكثيرة وبعد ذلك يقول لنا تعالي : {{ وما آتيكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}}.

فمثلا عندما أشكل علي الصحابة أن كل ظالم لنفسه ليس له الأمن من انتقام الله منه فتعجبوا من مؤاخذتهم بكل ظلم والإنسان خطاء، فكأنه لا مكان للعفو عن أي ظالم فيبين لهم الرسول صلي الله عليه وسلم أن اللغة العربية تجعل الشرك ظلما، واستدل لهم علي ذلك بقول الله تعالي الذي سبقه من كلام لقمان لابنه {{ لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم}}، وهكذا؟.

وعند حجة الوداع وإكمال الدين نادي النبي صلي الله عليه وسلم علي آلاف الحاضرين سائلهم قائلا : {ألا هل بلغت ؟ } وعندما أجابوا بنعم لقد بلغت الرسالة وأديت الأمانة خاطب الله أمامهم بقوله {اللهم فاشهد}.

فقوله تعالي : {{اليوم أكملت لكم دينكم }} إلي آخر الآية وخطبة الوداع بذكر المحرمات وغيرها هو المباحات لم يبق لإحداث عقيدة ولا عبادة أي مكان بين المسلمين ولكن بقي عمل الشيطان في الإنسان بعد أن أذن الله له في الهجوم علي بني آدم وأذن له أن يهجم عليهم ليصدهم عن الطريق المستقيم وأنه يأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم -  أي جهة عقيدتهم وعبادتهم ليلبس عليهم الدين الصحيح، فهجوم بتلك الوسوسة والتزيين بأن عقيدتهم وعبادتهم الفاسدة هي الطريق المثلي عند الله – وعن شمائلهم أي أنواع شركهم وكفرهم وجحودهم ليتفننوا فيه وينكروا كل ما قال الله يقول تعالي : {{زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلي وربي لتبعثن}} إلي آخر الآية.

كما أن الله عين له وسائل الهجوم ومكانه فقال تعالي :{{أجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا}}.

وعندما يستقرئ المسلم أسماء الأشخاص التي ورد نشاطها في نوع عبادتها وما يسمع عنها من قولها وفعلها يدرك جيدا أن قول الله للشيطان {{وعدهم}}، وجدت مكانا في قلب هذا الإنسان صالحة تربته للسفر علي هذه الطرق التي اختارت إنشاء طرق خاصة بها وتركت الطريق المستقيم الذي وضعه الله في هذا القرآن وعلي لسان نبيه صلي الله عليه وسلم وهو كثير المعالم لا يزيغ عنه إلا هالك جعل الله لهذا الإنسان سمعا ولكن لا يسمع به وجعل له أعينا ولا يبصر بها الحق إلي آخر ما نري ونسمع.

فمن جهة نري ونسمع القرآن يقص علينا آياته مفصلة لم تترك مثقال ذرة من الفكر والقول والفعل في الدنيا إلا وبينت الصالح منه من الفاسد، {{وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءا وتصدية }} ، {{ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالي}}، {{هل أتاك حديث الغاشية وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة ( ولكنها ) تصلي نارا حامية تسقي من عين آنية }} إلي آخر الآيات لأن عبادتهم التي أرهقتهم وأوصلتهم إلي نار حامية ليست علي الطريق المستقيم.

فالطريق المستقيم التي أشار الله عليها باسم الإشارة التي حددته اللغة العربية للإشارة الخاصة بالمشار إليه وهنا هو القرآن ونصوصه المحكمة وتبيين النبي صلي الله عليه وسلم يقول تعالي : {{وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}}، وهذا النهي الأخير من الله مقصود لتأكيد الأخذ بما تضمنه اسم الإشارة وخصصه للإتباع دون اتباع السبل.

ولكن المتأمل في القرآن سوف يسمع أن الله يعلم أن بني آدم لم يخلقهم الله كلهم لرحمته لأن جلهم لا يصلح لدخول الجنة ولا تصلح له، وعندما سلط عليهم الشيطان كما تقدم علم جل جلاله أن من لا يصلح لرحمته وهو الأكثرية سوف يتبع الشيطان إما بطريق كفر بواح، وإما بطريق شرك متخفي في تزيين نفسه في ثوب ملوث بالأهواء الفاسدة المتمثلة في العبادة التي لا تري مسمياتها في القرآن ولا في الحديث لوجودها هي وطقوسها وإشارتاتها واصطلاحاتها كل بعد وفاته صلي الله عليه وسلم الذي لم يأخذه الله إلي الرفيق الأعلي حتى أكمل له الدين وبلغه هو كما تقدم يقول تعالي : {{ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين}}.

ومن هنا أعود بإذن الله في المقال الموالي لأفكار بعض العقائد الفاسدة لأن ما قدمته من العقائد خاصا بالأشعري والجميع يعرف نسبتنا إليه في الدنيا، أما موقعنا معه في الآخرة فسيحدده الله كما قال تعالي : {{يوم ندعو كل أناس بإمامهم }} فأين يكون الأشعري عندئذ من النبي صلي الله عليه وسلم الإمام الوحيد لنا.

يتبع إن شاء الله تعالي.