الفصل الأول
مفهوم الوسطية ودلالتها
مفهوم الوسطية في اللغة:
يجدر بنا هنا أن نمهّد ببحث لغوي موثق عن مفهوم "الوسطية" في لغتنا العربية.
والمعروف أن لفظة الوسطية هي مصدر صناعي منسوب إلى كلمة "الوسط". و"الوسط" اسم مشتق من: "وسط" "يسط" "سطة"، على وزن: وعد يعد عدة.
والمادة "و س ط" قد وردت في القرآن: اسماً وفعلاً، وصفة، قال تعالى: {وَكَذلِكَ جَعلَنَاكُمْ أمَّة وَسَطا} [البقرة:143} {حَافِظُوا علَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:238] {قَالَ أوْسَطُهُمْ ألَمْ أقَل لكُّمْ لَولَا تسَبِحُونَ} [القلم:28]
{فَوَسَطْنَ بهِ جَمْعا} [العاديات:5] {مِنْ أوْسَطِ مَا تطُعِمُونَ أهْلِيكُمْ} [المائدةْ:89].
في معجم ألفاظ القرآن:
وجاء في معجم ألفاظ القرآن الكريم، الذي أصدره مجمع اللغة العربية بالقاهرة:
وسط الشيء يسطه وسطاً وسطة: كان بين طرفيه. تقول: وسطت الطريق، ووسطت القوم.
وسطن: {فأَثَرْنَ بهِ نقَعا فَوَسَطْنَ بهِ جَمْعا}[العاديات:5،4].
الأوسط اسم تفضيل من وسط. وأنثاه الوسطى. والأوسط يأتي في معنى الأقرب إلى الاعتدال والقصد والأبعد عن الغلوّ في الجودة والرداءة ونحوها. ويأتي في معنى الأفضل إذ كان أوسط الشيء محميّاً من العوارض التي تلحق الأطراف.
والوُسطى تأتي في معنى الواقعة بين شيئين، وبمعنى الفضلى، كما قيل في الأوسط.
أوسط: {فَكَفاَّرَتهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أوْسَطِ مَا تطُعِمُونَ أهْلِيكُمْ} [المائدة:89]. المراد: أن يكون أقرب إلى الاعتدال بين الإسراف والتقتير.
أوسطهم: {قاَلَ أوْسَطُهُمْ ألَمْ أقَل لكُّمْ لَووْلَا تسَبِحُونَ} [القلم:28]، أوسطهم أفضلهم رأيا.
الوسطى: {حَافِظوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:238]، الوسطى المتوسطة، فقيل هي صلاة العصر لتوسّطها بين صلاتي النهار وصلاتي الليل، وقيل غيرها، أو الوسطى الفضلى، وقد اختلف في تعيينها أيضاً.
الوسط للشيء: ما بين طرفيه. ويستعمل الوسط في الفضائل إذ كانت وسطاً بين الرذائل. فالشجاعة وسط بين الجُبن والتهور، وكذا سائر الفضائل. ثم جعل الوسط وصفاً للمتصف بالفضائل فصار معناه الخيّر الفاضل. ومن شأن هذا أن يكون عدلاً في قضائه وشهادته. وهذا الوصف نظرا إلى أصله يستوي في موصوفه فلا يتغيرلتغيّر موصوفه. يقال: رجل وسط وأمّة وسط.
وسطاً: {وَكَذلِكَ جَعلَنَاكُمْ أمَّة وَسَطا}[البقرة:143].
في مفردات القرآن:
وقال الراغب في مفردات القرآن:(وسط الشيء: ما له طرفان متساويا القدر. ويقال ذلك في الكميّة المتّصلة، كالجسم الواحد إذا قلت : وسطُه صلب، وضربتُ وسط رأسه (بفتح السين).
ووسطٌ (بالسكون) يقال في الكمية المنفصلة، كشيء يفصل بين جسمين، نحو: وسطُ القوم كذا.
والوسط تارة يقال فيما له طرفان مذمومان.. فيستعمل استعمال القصد المصُون عن الإفراط والتفريط، فيُمدح نحوُ السواء والعدل، نحو: {وَكَذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمَّة وَسَطا} [البقرة:143] وعلى ذلك قوله تعالى: {قاَلَ أوْسَطُهُمْ}[القلم:28].
وتارة يقال فيما له طرف محمود وطرف مذموم كالخير والشر . الخ