إذا قلنا أن البتكوين والعملات الرقمية المشفرة على أصل الإباحة، لأن أدلة المانعين لم تنهض حجة للتحريم، فإنه يجب الالتفات إلى ضبط عمليات التداول بأحكام الشريعة الإسلامية، ومجاراة الإقبال الشديد من قبل الناس على التداول أو المتاجرة بهذه العملات من خلال المنصات والتطبيقات التي أصبحت في متناول أي أحد.
تأتيني أسئلة كثيرة في هذا الموضوع وتلح علي بأن أبدي رأيًا في هذا الموضوع رغم تحفظي على ترويج أي فتاوى بشأن البتكوين والعملات الرقمية المشغرة إلى حين تجلية المجامع الفقهية رأيها الجماعي بشأنها. ولكن لأن الناس تتعامل فلا بأس أن نوجههم إلى الضابط الذي نراه صحيحًا للتداول حتى لا يقعوا في المحذور.
إن الذي أراه حتى الآن أن أحكام الصرف تجري على البتكوين والعملات الرقمية المشفرة الأخرى غير البتكوين بما فيها التوكينز التي لا تمثل أصلاً وتروج رواج الكوينز مثل الاستيبل كوينز. هذا الرأي لا يشمل التفصيل في أنواع التوكينز وعلى سبيل المثال NFTs والتي سأخصص لها منشورًا خاصًا إن شاء الله وعلى من يطلع على هذا الرأي أن يدرك هذه الفقرة جيدًا لئلا يعمم الرأي. وأحكام الصرف المقصودة تتمثل في وجوب القبض الفوري عند تداول البتكوين بالإثير أو اللايتكوين وغيرها أو عند تداول البتكوين وغيرها من العملات المشفرة بالدولار.
ولتجلية صورة القبض نقول أن القبض الفوري إما أن يكون حقيقيًا باليد، أو حكميًا. بالتأكيد في صورة التعاملات الإلكترونية في الجملة إنما يكون القبض حكميًا فقط.
ويحصل القبض الحكمي بالنسبة للدولار ونحوه من العملات الوطنية بالقيد الفعلي في الحساب المصرفي للمتعامل بحيث يمكنه التصرف فيه بالتحويل أو بإصدار شيك أو بسحبه نقدًا، وقبل ذلك لا يكون قد قبض بل يكون التزامًا في ذمة الطرف الآخر إلى أن يتم إبداعه فعلا بالحساب المصرفي ويمكن إجراء التعاملات عليه عندئذ نقول قبض ويجوز له أن يبيع الدولار مرة أخرى أما قبل ذلك فلا يجوز ويكون باع قبل أن يقبض.
أما القبض في العملات الرقمية المشفرة فهو حكمي أساسًا ولا توجد صورة للقبض الحقيقي في هذه العملات لأنه مجرد أرقام مشفرة على شبكة البلوكتشين (وهي مجرد قاعدة بيانات). فما هي صورة القبض في البتكوين والعملات الرقمية المشفرة مثل الإثير والريبل واللايتكوين والتثير والتوكينز الرائجة؟
الصورة الأصلية هي القبض على البلوكتشين والمسماة في المصطلح الفني أون تشين On-chain وهذه لا تتأتى إلا أن يتسلم المشتري للعملة الرقمية المفتاح الخاص بحيث يمكنه إضافة العملة المشتراة على البلوكتشين ودفع تكلفة التعدين.
أما القبض السائد اليوم بالتسجيل في صورة الأوف تشين Off-chain Transaction ويتم تسجيل المبادلات في سجل المنصة فقط ولا يتاح للمتعامل فيه المفتاح الخاص privet key وهو المعروف ب كوستديال سيرفس Custodial Services فهذا لا يعد قبضًا شرعيًا وهو مجرد التزام على المنصة لأغراض المضاربة، وهو الذي يفسر ضياع أموال الناس عند وجود احتيال أو اختفاء المنصة. وهو أشبه بمنصات الفوركس Forex التي لا يتحقق فيها القبض الشرعي أيضًا وبالتالي من غير الجائز التداول عليها شرعًا.
وهذه المضاربات التي تتم في سجل المنصة فقط من نوع المضاربة على المؤشر ولا تتضمن شراء وبيعًا لعملة ولا لغيرها.
يبقى السؤال بأن التسجيل للمبادلات اون تشين رسومه عالية فهل هناك بدائل أقل تكلفة وتحقق متطلبات القبض الشرعي؟
الجواب نعم، وهذا رأي خاص لم يسبقني إليه أحد ولم أعلنه بالكامل إلا في هذا المنشور، وقد وضعت أسسه في بحثي الأخير المقدم لندوة المجمع. هناك صور من الأوف تشين تحت التقييم وقد تحقق القبض الشرعي بتكلفة أقل من الأون تشين وسأناقشها في منشور لاحق وإن كانت غير منتشرة في التطبيقات السائدة، لكن المهم أن يعلم من يهتم بالرأي الشرعي أن هذا المنشور معني بالقول بأن سجل المنصة لا يعد قبضًا شرعًا.
والحمدلله رب العالمين.