البقاء أم المغادرة؟.. فرنسا أمام خيارات صعبة في مالي

تثير العلاقات المتوترة بشكل متزايد بين مالي وباريس تساؤلات حول مستقبل الحضور العسكري الفرنسي والأوروبي في البلد، لكن خيار الانسحاب لا يبدو سهلاً سياسياً لباريس مع اقتراب انتخاباتها الرئاسية وفي ظل ترؤُّسها الاتحاد الأوروبي.

في الأسابيع الأخيرة تتهم فرنسا العسكريين في باماكو بتجاوز الخطوط الحمر التي وضعتها دول المنطقة والشركاء الأجانب، فرفضوا تنظيم انتخابات في وقت قصير بهدف إعادة السلطة إلى المدنيين، ولجؤوا إلى مجموعة "فاغنر" الروسية المثيرة للجدل رغم نفيهم ذلك رسميّاً.

وشجب وزير خارجيتها جان إيف لودريان ووزيرة قواتها المسلحة فلورنس بارلي مؤخراً احتمال نشر مرتزقة "فاغنر" في مالي، معتبرين أن ذلك "غير مقبول" و"يتعارض" مع وجود الآلاف من العسكريين الفرنسيين.

لكن لم يكن للتهديدات والضغوط أي تأثير، ما دفع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) إلى اتخاذ حزمة عقوبات اقتصادية ودبلوماسية ضد مالي في منتصف يناير/كانون الثاني.

أما رد فعل باريس فلم يمض حتى الآن أبعد من التنديد مع التأكيد أن الروس لا ينشطون حالياً في نفس منطقة نشاط قواتها في مالي.

وتنخرط فرنسا عسكرياً منذ عام 2012 بمكافحة المسلحين في مالي، وقد كلفها ذلك 52 قتيلاً ومليارات اليوروهات.

لكن شركاء أوروبيين آخرين مضوا أبعد من الاستياء والتنديد. فقد أشارت وزيرة الدفاع الألمانية كريستين لامبريخت مؤخرا إلى إمكانية نقل الوحدة المشاركة في بعثة الاتحاد الأوروبي المكلفة تدريب القوات المالية "إلى مكان آخر أكثر أماناً لجنودنا".

وقالت السويد التي تنشر نحو 300 عسكري في مالي إنها "قلقة للغاية" بشأن الوضع في البلاد وتعتزم "تحليل تداعياته".

رسائل معادية لفرنسا

لم يطلب العسكريون في مالي رسمياً من القوات الفرنسية والأوروبية المغادرة، لكنهم زادوا رسائلهم رفضاً لذلك في خضم انتشار مشاعر معادية لفرنسا في المنطقة.

وقد نظمت تظاهرات حاشدة ضد عقوبات إيكواس الجمعة في أنحاء مالي بدعوة من المجلس العسكري، هتف خلالها المحتجون بالكثير من الشعارات التي تنتقد القوة الاستعمارية السابقة.

بدوره اتهم رئيس الوزراء المؤقت تشوغويل كوكالا مايغا فرنسا باستخدام إيكواس أداة "لتصفية حسابات أخرى"، وأشار إلى احتمال مراجعة اتفاقيات الدفاع التي تربط باريس وباماكو. وقال: "نريد مراجعة الاتفاقات غير المتوازنة التي تجعلنا دولة لا تستطيع حتى التحليق فوق أراضيها من دون إذن من فرنسا".

وأكد مصدر دبلوماسي فرنسي الاثنين: "تلقينا طلباً من مالي (في هذا الصدد) وندرسه".

وانتقدت باماكو الأسبوع الماضي حرية حركة الطائرات العسكرية الفرنسية التي تدخل المجال الجوي المالي أو تغادره.

لكن هيئة الأركان الفرنسية أكدت الاثنين أنه "لا توجد عقبات أمام العمليات الجوية" على أراضي مالي.

وفي حال قررت مالي إغلاق حدودها الجوية فإن ذلك سيمنع الجيوش الفرنسية مواصلة مهمتها ويعطّل عمليات تناوب القوات، لا سيما مع استمرار الحظر على تحليق الطائرات العسكرية الفرنسية فوق الجزائر الساري منذ أكتوبر/تشرين الأول.

موقف أوروبا؟

تخفّض فرنسا عدداً من قواتها العاملة في مالي منذ الصيف في إطار إعادة تنظيمها، لكنها تعتزم حتى الآن الإبقاء على قوات في غاو وميناكا وغوسي تتقدمها مجموعة القوات الخاصة الأوروبية الجديدة "تاكوبا" التي أطلقتها باريس منذ أكثر من عامين لتقاسم العبء مع حلفائها.

و"تاكوبا" رمز لـ"سياسة الدفاع الأوروبية" التي ينادي بها إيمانويل ماكرون، لكنها ستختفي في حالة الانسحاب بعد أن نجحت فرنسا في إقناع عشرات الدول بالمساهمة فيها. وقد أعلنت النيجر المجاورة أنها لن تستضيف "تاكوبا".
في حال حصل ذلك، فإنه سيمثل انتكاسة كبيرة في خضم الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي وقبل ثلاثة أشهر من الانتخابات الرئاسية الفرنسية.

ومما سيفاقم المرارة هو أن حصيلة تسع سنوات من التدخل العسكري بعيدة كل البعد عن أن تكون مرضية، فلا يزال للجماعات المسلحة التابعة للقاعدة حضور بارز رغم تحييد العديد من قادتها.

من جانبها لم تحاول الدولة المالية أبداً تثبيت حضورها بشكل دائم في المناطق المهمّشة. وامتد العنف إلى وسط البلاد ثم إلى بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين، قبل أن يمتد جنوباً وصولاً إلى شمال ساحل العاج وبنين وغانا.

المصدر: TRT عربي