نسائم الإشراق، الحلقة رقم (1811) 5 فبراير2022م، 3رجب الفرد 1443هـ، فقه الوسطية الإسلامية والتجديد، معالم ومنارات، الشيخ يوسف القرضاوي، الحلقة رقم (87)

وكل دليل صحيح يقيمه القدرية، فإنما يدلّ على أن أفعال العباد فعل لهم قائم بهم، واقع بقدرتهم ومشيئتهم وإرادتهم، وأنهم مختارون لها غير مضطرين ولا مجبورين، ليس معهم دليل صحيح ينفي أن يكون الله سبحانه قادرا على أفعالهم وهو الذي جعلهم فاعلين. 

فأدلة الجبرية متضافرة صحيحة على من نفى قدرة الرب سبحانه على كل شيء من الأعيان والأفعال، ونفى عموم مشيئته وخلقه لكل موجود، وأثبت في الوجود شيئا بدون مشيئته وخلقه. 

وأدلة القدرية متضافرة صحيحة على من نفى فعل العبد، وقدرته ومشيئته واختياره، وقال إنه ليس بفاعل شيئا، والله يعاقبه على ما لم يفعله، ولا له قدرة عليه، بل هو مضطر إليه مجبور عليه. 

 

وأهل السنة، وحزب الرسول، وعسكر الإيمان، لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، بل هم مع هؤلاء فيما أصابوا فيه، وهم مع هؤلاء فيما أصابوا فيه، فكل حق مع طائفة من الطوائف فهم يوافقونهم فيه، وهم برآء من باطلهم، فمذهبهم جمع حق الطوائف بعضه إلى بعض، والقول به، ونصره وموالاة أهله من ذلك الوجه، ونفي باطل كل طائفة من الطوائف، وكسره ومعاداة أهله من هذا الوجه.

فهم حكام بين الطوائف،لا يتحيّزون إلى فئة منهم على الإطلاق، ولا يردون حق طائفة من الطوائف، ولا يقابلون بدعة ببدعة، ولا يردون باطلا بباطل، ولا يحملهم شنآن قوم يعادونهم ويكفرونهم على أن لا يعدلوا فيهم، بل يقولون فيهم الحق، ويحكمون في مقالاتهم بالعدل، والله سبحانه وتعالى أمر رسوله أن يعدل بين الطوائف، فقال:{فلِذلِكَ فاَدْعُ وَاسْتقِمْ كَمَا أمِرْتَ وَلا تتَبِّعْ أهْوَاءَهُمْ وَقلْ آمَنْتُ بمِا أنْزَلَ اللَّه مِنْ كِتاَبٍ وَأمِرْتُ لِأعْدِلَ بَيْنَكُمُ} [الشورى:15] فأمره سبحانه أن يدعو إلى دينه وكتابه، وأن يستقيم في نفسه كما أمره، وأن لا يتبع هوى أحد من الفرق، وأن يؤمن بالحق جميعه، ولا يؤمن ببعضه دون بعض، وأن يعدل بين أرباب المقالات والديانات، وأنت إذا تأملت هذه الآية، وجدت أهل الكلام الباطل، وأهل الأهواء والبدع من جميع الطوائف أبخس الناس منها حظا، وأقلهم نصيبا، ووجدت حزب الله ورسوله وأنصار سنته هم أحق بها وأهلها [انظر: شفاء العليل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل صـ 51،52.].