موريتانيا وأزمة مالي ... إشكالات الأمن وأوراق القوة المهملة - إعداد موقع الفكر (الجزء الأول)

 الفكر(نواكشوط): أخذ الملف السياسي والأمني في مالي منعطفا جديدا، أكثر حدة من سابقاته التي أعاقت إلى حد كبير مسار الاندماج السياسي والتنمية في الجارة الشرقية لموريتانيا، حيث بدا أن مالي بدأت تعود إلى مربع الاضطراب السياسي الذي كادت تهوي فيه عام 2012 بعد أن اقتربت من العاصمة باماكو الكتائب المسلحة القادمة – رجالا وعتادا – من الانهيار الليبي الشديد الذي هز أركان الأمن، ومد بساط الاضطراب في الفضاء الساحلي الواسع.

إن كل جيران مالي متأثرون سلبا بهذه الأزمة التي تأخذ هذه المرة طابع الصراع بين دوائر مختلفة، فالحكومة العسكرية في باماكو، أخذت على عاتقها مواجهة الجماعات المسلحة، واستعادة الأراضي المالية بالكامل، دون أن تغفل مواجهتها المفتوحة مع فرنسا، والتي لا يعرف الآن على أي شاطئ سترسو سفينتها المضطربة.

ولا شك أن موريتانيا ستتأثر في دوائر مختلفة بالمسارات المتضاربة في مالي، وسيرغمها المتحور الأمني الجديد على تعديل تعاملها السياسي الأمني وحتى الاقتصادي مع الجارة الملتهبة.

ولاستجلاء الملامح العامة للأزمة المالية، وتأثيرها على موريتانيا تأتي ورقة تقدير الموقف لتحدد أهم المسارات وأبرز الإشكالات التي تؤطر الملف وتوجه الإرادات المتصارعة حوله أو المتأثرة به.

 

مالي بين مواجهة الجهاديين وصراع النفوذ الفرنسي

 

في 18 أغسطس 2020 نفذ ضباط وجنود من القوات المسلحة المالية انقلابا على الحكومة المدنية التي يرأسها الراحل إبراهيما بوبكر كيتا،وأرغم الانقلابيون الرئيس على الاستقالة، كما اعتقلوا رئيس الوزراء بوبو سيسي وكامل أعضاء حكومته، قبل أن يعلن العقيد قاسيمي كويتا نفسه رئيسا للبلاد، وبعد عدة أشهر من اختيار العقيد المتقاعد باو انداو رئيسا للبلاد، والسياسي مختار وان رئيسا للوزراء عاد، العقيد قاسيمي كويتا من جديد لتنفيذ انقلاب آخر في 24 مايو وأقال الرئيس الانتقالي والوزير الأول بعد اتهامها بتسريب خطط ومسارات العسكر الماليين إلى الفرنسيين، وذلك عقب زيارة أداها انضو إلى باريس، وأصبح كاسيما الشاب الأربعيني رئيسا فعليا لمالي وقائدا أعلى لجيشها، ووجها السياسي الأكثر صدامية مع فرنسا.

ولم يكن الانقلاب العسكري والإطاحة بالرئيس كيتا سبب الخلاف بين باريس، وحكام باماكو الجدد، وإنما كان الوجود الروسي والتأثير القوي لموسكو على العسكريين الماليين أهم أسباب الخلاف، حيث تجد فرنسا نفسها ولأول مرة أمام حكام ماليين لا يدينون لها بالولاء، بل لا يرغبون أصلا في تعزيز العلاقة معها.

ويمكن التوقف عند مؤشرات متعددة للأزمة المتصاعدة بين الطرفين، ومنها على سبيل المثال:

-     وجود حكومة عسكرية لم تنسق مع فرنسا في تأسيسها ولا في قراراتها، ورفض فرنسا وأنصارها بشكل واضح للوجود الروسي في مالي

-     وجود ذراع روسي قوي ضمن فريق الانقلابيين، وتوقيع اتفاقيات رسمية بين باماكو وموسكو من خلال مجموعة "فاغنر" الروسية، وذلك بدفعة أولى من 1000 عسكري

-     الدعم العسكري الروسي لباماكو والذي شمل مقاتلات روسية من نوع مي 17 وأسلحة نوعية، زيادة على دعم استخباراتي نوعي مكن الجيش المالي من تعقب المجموعات المسلحة، وقتل عدد من قادتها ومسلحيها.

-     الانسحاب الفرنسي من مدن الشمال دون تنسيق مسبق مع الحكومة المالية والأمم المتحدة، وهو ما اعتبرته الحكومة المالية تخليا عنها، وإخلالا بميثاق التنسيق الثلاثي بين الأطراف المعنية.

-     اتهام الوزير الأول المالي للحكومة الفرنسية بتسليم جيش كامل إلى جماعة أنصار الدين الإسلامية المقاتلة، وبتسليح الطوارق ودعم الإرهاب.

-     اتهام الحكومة المالية فرنسا بالضغط على دول ال"سيداو" من أجل فرض الحصار السياسي والاقتصادي على الانقلابيين في مالي.

 

لقد جعلت كل هذه المؤشرات العلاقة بين البلدين في أشد التوتر، ولا شك أن فرنسا ستكون مجبرة على التريث قبل الإقدام على خطوة من خطواتها التقليدية في تأديب الحكام الأفارقة المارقين عليها، لأن ضريبة الانهيار الشامل للأمن في مالي ستكون كارثية على كل الأطراف وعلى رأسهم مالي.( يتبع)