موريتانيا وأزمة مالي ... إشكالات الأمن وأوراق القوة المهملة. إعداد موقع الفكر (الجزء الثاني)

موريتانيا وملف مالي ..أسئلة الأمن وأوراق النفوذ

يمكن التوقف عند مسارات متعددة، طبعت العلاقة بين موريتانيا ومالي منذ أكثر من ستين سنة، ومن أبرز هذه المسارات.

-     المطالبة الموريتانية بأقليم أزواد، ضمن سعي الرئيس المختار ولد داداه إلى ضم ما يعتبره جناحي موريتانيا وهو أزواد والصحراء الغربية، وهو الموقف الذي قابله الماليون بغضب شديد واعتراض واضح على الخطاب السياسي الذي ألقاه ولد داداه في أطار سنة 1957 وتضمن تلك المطالبة.

-     التنسيق مع الجمهورية الليبية لدعم وتسليح وتكوين المجموعات العربية في مالي من أجل المطالبة بالاستقلال لاحقا، وهو المشروع الذي مات في مهده إثر الانقلاب العسكري في موريتانيا سنة 1978

-     الاحتضان الخجول للمعارضة المالية: وذلك خلال نزوح عشرات الآلاف من اللاجئين الماليين إثر حروب نهاية الثمانينيات، حيث نشأت في نواكشوط أغلب التنظيمات السياسية التي قاومت باماكو، وكانت بعد ذلك طرفا في اتفاقية الجزائر سنة 1992، حيث تعهد الرئيس السابق معاوية ولد الطايع بدعم التعليم العربي في أزواد، دون أن يفي بتعهده.

-     مرحلة تصدير العنف: كانت هذه المرحلة الأكثر إيلاما لموريتانيا حيث تحول الشمال المالي إلى منصة للهب الموجه إلى مختلف الجيران، وخصوصا موريتانيا التي نالت عدة عمليات مؤلمة من بنيها (لمغيطي – تورين – الغلاوية – مقتل السيّاح الفرنسيين – تفجير قرب السفارة الفرنسية – تفجير استهدف الكتيبة العسكرية في النعمة- خطف دركي موريتاني في عدل بكرو- خطف سياح غربيين في موريتانيا- تأسيس تنظيم موريتاني متطرف.

-     مرحلة مقاربة الأمن والنفوذ: عبرت موريتانيا إلى هذه المرحلة من خلال مقاربة أمنية، تضافر فيها العمل العسكري المسلح من خلال تدمير مناطق الارتكاز التي سيطر عليها الإرهابيون المقيمون في مالي، زيادة على تفكيك الخلايا الإرهابية في البلاد، وتحييد بؤر التطرف المفترضة، إضافة إلى إعادة الاعتبار للتداخل الاجتماعي بين موريتانيا وأطراف وازنة في الشمال المالي، زيادة على رفض موريتانيا للقتال خارج حدودها، وهو ما  جعلها في هدنة غير معلنة مع التنظيمات الإرهابية التي فقدت سندها الداخلي في موريتانيا بعد الحوار الذي أدى إلى الإفراج عن عشرات المتهمين في ملف الإرهاب.

لقد مكنت تلك المقاربة المتنوعة من تفرغ موريتانيا لبناء قوتها العسكرية الداخلية، وتحديث ترسانتها العسكرية، وإبعاد شبح الإرهاب عن حدودها، وهي الآن في مواجهة متغير جديد قد يفرض عليها معالجة وضعيتها من جديد.

 

مخاطر الانزلاق الأمني في مالي على الداخل الموريتاني

 

تتأثر موريتانيا بالانزلاق السياسي والأمني في مالي في جوانب متعددة منها:

-     في المجال السياسي: اضطراب المشهد وقابليته للانهيار وتغير الطبقة العسكرية الحاكمة في مالي في أي وقت، نظرا لتعدد الأجنحة والإرادات والولاءات داخل الجيش المالي.

-     تأثير الصراع المالي – الفرنسي على علاقة موريتانيا بمالي وبدول الساحل بشكل عام.

وفي المجال الأمني فإن الاضطراب العسكري في مالي يفرض على موريتانيا:

-     إعادة تعديل سياستها الأمنية تجاه باماكو، إضافة إلى سياستها لضبط الحدود الهائلة التي يصعب السيطرة عليها.

-     مع توجه الحكومة المالية إلى استنزاف قوة "ماسينا" تجد موريتانيا نفسها في وضعية صعبة، أمام إمكانية تسرب الحماس الجهادي إلى المجموعات الفلانية الموريتانية التي تتمتع بعلاقات اجتماعية وتداخل عرقي كبير مع الفلان الماليين.

-     تعرض الموريتانيين المسافرين من وإلى مالي إلى خطر الاستهداف كل حين، خصوصا إذا ما تباينت وجهات النظر بين نواكشوط وباماكو، التي يعتبر الانتقام والتصفية العرقية جزء أساسيا من ممارسات جيشها المتهم على نطاق واسع بالعنصرية والتمييز اللوني.

وفي المجال الاقتصادي فإن موريتانيا متأثرة بأزمة مالي من مناح متعددة منها:

-     إرباك حركة الاستيراد والتبادل التجاري بين موريتانيا ومالي، سواء بفعل الحصار المؤقت الذي سيؤثر على حركة البضائع بين موريتانيا ومالي وغرب إفريقيا بشكل عام، أو من خلال المخاوف الأمنية التي قد تحد من فعالية خط الشحن بين نواكشوط ومالي وساحل العاج، ومختلف دول الغرب الإفريقي.

-     وضعية الانتجاع، حيث تعتبر مالي مرعى خصيبا لملايين المواشي الموريتانية التي تعبر كل سنة باتجاه الأراضي المالية.