موريتانيا وأزمة مالي ... إشكالات الأمن وأوراق القوة المهملة. إعداد موقع الفكر (الجزء الثالث)

آفاق مهمة وأوراق قوة متعددة

رغم الآفاق القاتمة فإن موريتانيا تملك أوراق نفوذ متعددة يمكن أن تستفيد منها في مواجهة "المتحور" السياسي والأمني في الأزمة المالية المزمنة، ومنها على سبيل المثال:

-     ورقة الوساطة والحوار: وذلك عبر مسارات متعددة، منها الحوار بين باماكو وفرنسا ودول المنظمة الاقتصادية لغرب إفريقيا، ويحظى الرئيس الموريتاني بثقة وتقدير مختلف هذه الأطراف، باعتبار مكانة موريتانيا، وباعتبار الرئيس ولد الشيخ الغزواني المهندس الفعلي للاستيراتيجية الموريتانية الأمنية خلال العقد المنصرم.

كما أن الوساطة الموريتانية قد تأخذ بعدا آخر بين الحكومة المالية والجماعات المسلحة، خصوصا أن مالي سبق أن أقرت مبدأ الحوار السياسي مع قادة الحركات المسلحة من أصول مالية، يضاف إلى هذا ما تملكه موريتانيا من تأثير نوعي في القرار السياسي لعدد من الجماعات السياسية في الشمال المالي، وخصوصا في القوميتين العربية والطارقية.

ولا شك أن احتضان نواكشوط لحوار من هذا القبيل، وبرعاية وإرادة دولية قد يكون له تأثير كبير في مستقبل الأمن في مالي، وفي صورة وتاثير موريتانيا في المنطقة.

 

-     ورقة التطوير الاقتصادي: تعتبر مالي دولة حبيسة، وقد أخفقت محاولاتها في تعميق معبر مائي من نهر السنغال يمكنها من إيجاد بوابة نهرية، وتعتمد باماكو على حركتي الاستيراد على عدة موانئ من بينها دكار ونواكشوط، ويعتبر نصيب موريتانيا من حركة التبادل التجاري ضئيلا في الأصل، حيث تراجع من 300 حاوية شهريا إلى قرابة 80 لا أكثر خلال الأشهر المنصرمة، وتظهر هذه الأرقام ضآلة استخدام المستودع المالي في ميناء نواكشوط، مقاربة مقارنة مع ميناء دكار، وتملك موريتانيا فرصة هائلة خلال هذه الفترة لتطوير علاقاتها الاقتصادية بمالي من خلال.

-     توسيع وتطوير المجال المالي في ميناء نواكشوط، مع إقامة منطقة تبادل تجاري بين البلدين في مناطق التماس، في الحوضين وكيديماغا.

-     استجلاب رؤوس الأموال، وكبار المستثمرين الماليين إلى موريتانيا، وخصوصا رجال أعمال الشمال المالي الذين يملكون ثروات هائلة، وينشطون بقوة في حركة الاستيراد والتصدير.

-     الاهتمام بالتخطيط على مستوى القدرة الاستيعابية وفي الوسائل اللوجستية قبل البدء في تشغيل مينائي تانيت وانجاكو وما قد يرقدان به حركة التبادل التجاري بين البلدين.

 

وإلى جانب هذه الأوراق السياسية والمالية، فإن موريتانيا تملك ورقة مهملة، وإن كان تأثيرها الفعلي تأثيرا استراتيجيا طويل المدى، وهي ورقة التأثير الروحي والحضاري، حيث يمكن لموريتانيا أن تدير وتدعم التعليم العربي والإسلامي في مالي، وذلك عبر مسارات متعددة، من بينها:

-     الاحتضان والتأثير في النخب العلمية والروحية في مالي وغرب إفريقيا بشكل عام.

-     تعزيز جهود المحاظر الموريتانية في اجتذاب المئات من الطلبة الماليين والذين يشكلون نواة للتعليم الأصلي ورافدا للدبلوماسية الناعمة لا يمكن إغفاله.

-     إقامة مراكز تعليمية جاذبة في مناطق التماس مع الجيران، ومن الغريب أن هذه المدن الحدودية الموريتانية هي الأضعف حظا في التعليم الديني والنظامي في موريتانيا.

ومن بين مختلف هذه المسارات والأوراق يمكن لموريتانيا أن تؤسس استراتيجية جديدة للتعاطي مع متغيرات الأمن، ومتحورات العنف في مالي.