نسائم الإشراق، الحلقة رقم (1819) 14 فبراير2022م، 12رجب الفرد 1443هـ، فقه الوسطية الإسلامية والتجديد، معالم ومنارات، الشيخ يوسف القرضاوي، الحلقة رقم (95)

فهذا مناف للمنهج القرآني الذي يقول: {وَابْتغِ فيِمَا آتاَكَ اللَّه ُ الداَّرَ الْآخِرَة َ وَلا

تنَسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنُّيَا وَأحْسِنْ كَمَا أحْسَنَ اللَّه ُ إلِيْكَ} [القصص:77] {يَا بنِي آد مَ خُذوُا زِينتَكَمْ عِنْد َ كُلِ مَسْجِدٍ وَكُلوُا وَاشْرَبوُا وَلا تسْرِفوُا إنِهَّ ُ لا يحِبُّ الْمُسْرِفيِنَ قلْ  مَنْ حَرَّمَ  زِينةَ اللَّه ِ التِّي أخْرَجَ  لِعِباَدِهِ  وَالطَّيبِاتِ مِنَ الرِزْقِ}[الأعراف:23،31].

ومن أدعية القرآن المعبّرة: {رَبنَّا آتنِا فِي الدنُّيَا حَسَنةَ   وَفِي الْآخِرَ ةِ حَسَنَة   وَقنِاَ عَذاَبَ الناَّر} [البقرة:201]. وكان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر ما يدعو بهذا الدعاء، كما روى ذلك أنس [متفق عليه: رواه البخاري في التفسير (4522)، ومسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2690)، كما رواه أحمد في المسند(13163)، وأبو داود في الصلاة (1518) عن أنس]. 

وكان من أدعية الرسول المعبّرة عن المنهج الوسطي قوله عليه الصلاة والسلام:" اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري.وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي. وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي.واجعل الحياة زيادة لي في كل خير. 

واجعل الموت راحة لي من كل شر"[رواه مسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2720) عن أبي هريرة.].فجمعت بين خيرات الدين  والدنيا والآخرة.

ولذلك أنكر النبي المعلم الأول لأمته على من غلا منهم في عبادته على حساب الحقوق الأخرى الواجبة عليه: حق بدنه في الراحة، وحق عينه في النوم، وحق زوجه في المؤانسة والإمتاع، وحق زواره والمجتمع من حوله.

وكان ينصح أصحابه بالرفق والاعتدال أبدا؛ لأن الله رفيق يحب الرفق، ولأنه يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر، ولأن الاعتدال هو الذي يدوم، والتشدد أو التطرف قصير العمر. وكان يقول عليه الصلاة والسلام:" إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من ال دُّلجة".

قال العلامة المناوي في شرحه: "إن الدين يسر"،أي دين الإسلام ذو يسر نقيض العسر،أو هو يسر، مبالغة لشدة اليسر وكثرته، كأنه نفسه "يُسرٌ" بالنسبة للأديان قبله، لرفع الإصر عن الأمة،"ولن يشادّ" أي يقاوم "الدين أحد إلا غلبه" أي:

 

لا يتعمّق أحد في العبادة، ويترك الرّفق، كالرهبان في الصوامع، إلا عجز فغُلب [فيض القدير (2/417) نشر دار الكتب العلمية بيروت].