نسائم الإشراق، الحلقة رقم (1859) 28 مارس2022م، 25شعبان1443هـ، فقه الوسطية الإسلامية والتجديد، معالم ومنارات، الشيخ يوسف القرضاوي، الحلقة رقم (137)

إنه الإسلام الذي لا يعرف التسامح مع المخالفين في الدين، ولا يقبل الحوار مع المغايرين في الفكر، ولا يأذن بوجود للمعارضين في السياسية.

إنه الإسلام الذي ينظر بريبة إلى المرأة، فهو يدعو إلى حبسها في البيت ،وحرمانها من العمل، ومن المشاركة في الدعوة والحياة الاجتماعية، ومنعها من التصويت بله الترشيح للمناصب.

إنه الإسلام الذي لا تعنيه العدالة في توزيع الثروة، ولا توكيد قاعدة الشورى في السياسة، ولا إقرار الحرية للشعب، ولا مساءلة اللصوص الكبار عما اقترفوه أو سرقوه بالملايين، ولكن يشغل الناس بما سرقه الصغار بالملاليم! وهو يزحم وقته بالجدال في فرعيات فقهية، وجزئيات خلافية، في العبادات أو المعاملات، لا يمكن أن ينتهي فيها الخلاف.

إنه الإسلام الذي يتوسع في (منطقة التحريم) حتى يكاد يجعل الحياة مجموعة من المحرّمات، فأقرب كلمة إلى ألسنة دعاته، وأقلام كتابه: كلمة: (حرام).

إن الإسلام بهذه الصورة القاتمة السوداء – الذي يقدمه بها نفر من أبنائه المخلصين غالباً في نياتهم، القاصرين عادة في أفهامهم – لن يمكنه القيام بدور )البديل( أو )الوارث( للحضارة "الغاربة" أو التي توشك على الغروب.

إن الإسلام المنشود، هو إسلام الأمّة الوسط، هو )الإسلام الأول( .. إسلام القرآن والسنّة، سنّة النبي صلى الله عليه وسلم وسنّة الراشدين المهديين من بعده .. إسلام التيسير لا التعسير، والتبشير لا التنفير، والرّفق لا العنف، والتعارف لا التناكر، والتسامح لا التعصب، والجوهر لا الشكل، والعمل لا الجدل، والعطاء لا الادعاء، والاجتهاد لا التقليد، والتجديد لا الجمود، والانضباط لا التسيّب، والوسطية لا الغلوّ والتقصير.

إسلام يقوم على عقيدة روحها التوحيد، وعبادة روحها الإخلاص، وأخلاق روحها الخير، وشريعة روحها العدل، ورابطة روحها الإخاء، وثمرة ذلك كله حضارة روحها التوازن والتكامل، وملاكها الوسطية والتجديد. ومفتاحها الانتفاع بكل قديم صالح، والترحيب بكل جديد نافع.

إن (منهج الوسطية الإسلامية) هو حبل النجاة، وسفينة الإنقاذ اليوم، لأمتنا العربية والإسلامية من التيه والضياع – بل الهلاك والدمار – الذي يهدد حاضرها ومستقبلها، ويهدّ البشرية من ورائها، التي تأمل فيها خيرا.

هذا الإسلام وحده هو حبل النجاة لنا وللبشرية من ورائنا، وهو القادر على إنقاذ سفينة الحضارة قبل أن تغرق ونغرق كلنا معها.

فهل تستطيع أمّتنا أن تقوم بالدور المطلوب منها؟ وبعبارة أخرى: هل تريد أن تقوم بهذا الدور؟ بمعنى أن تتبنّى الإسلام عقيدة ورسالة ومنهاج حياة، على المنهج الوسطي، فتحسن الفقه له، والإيمان به،والتطبيق له،والدعوة إليه.

هذا ما نأمله ويأمله كل المخلصين، وما ينتظره التاريخ منا }وَمَنْ أحْسَنُ قَووْلامِمَّنْ دعَا إلِى اللَّه وَعَمِلَ صَالِحا  وَقاَلَ إنِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ { ]فصلت:33[.

......ضياع الحقيقة بين طرفين متباعدين: