نسائم الإشراق، الحلقة رقم (1861) 30 مارس2022م، 27شعبان1443هـ، فقه الوسطية الإسلامية والتجديد، معالم ومنارات، الشيخ يوسف القرضاوي، الحلقة رقم (139)

الطرف الآخر: طرف التسيُّب والتفريط والتقصير والإضاعة. فلا يكاد يتشبث بعقيدة، أو يتمسك بفريضة، أو يحرّم حراماً، الدين عجينة لينة في يديه، يُشكّله كيف يشاء، ومتى شاء، ليس فيه ثوابت، بل كل شيء فيه قابل لاجتهاد جديد، أو لقرءة جديدة، تنقله من اليمين إلى اليسار، ومن اليسار إلى اليمين، ما كان ثابتاً يمكن أن ينفى، وما كان منفياً يمكن أن يثبت. ما كان حقاً يمكن أن يصبح باطلاً، وما كان باطلاً يمكن أن يصبح حقاً!! وكيف لا، وقد رفضوا الفقه وأصوله وأئمته، وتلاعبوا بالسنة، أو أنكروها، وعبثوا بالقرآن وتفسيره؟!

يمكن أن يخرج أصحاب (القرءات الجديدة) للقرآن وللسنة بدين جديد، غير الدين الذي علمه الرسول للصحابة، وعلمه الصحابة للتابعين. ومضى عليه خير قرون الأمة، وحمله الخلف العدول من علماء الأمة وأئمتها الربانيين، وتوارثه الخلف عن السلف، والأحفاد عن الأجداد. ونشأ عليه الصغير، وهرم عليه الكبير. دين جديد يحرّم ما استيقنت الأمة بحله طوال أربعة عشر قرناً، أو يحلُّ ما استيقنت الأمة بتحريمه طوال هذه القرون، يمكن أن يغيّر العقائد، ويبدّل القديم، ويسقط الفرائض، ويشرع في الدين ما لم يأذن به الله.

وبهذا يمكن أن يكون لكلّ عصر دين، ولكلّ بلد دين، بل لكل مجموعة ديدن، بل لكلّ شخص دين، فليس الدين أمراً يجمع الأمة على كلمة سواء، وعلى الاعتصام بحبل الله جميعاً، بل لا يمكن أن تتكون بهذا الدين أمة، لها عقيدة واحدة، وشريعة واحدة، وقيم واحدة، ورسالة واحدة. بل الدين في هذه الحالة يفرّق ولا يجمع، ويباعد ولا يقرّب، ويهدم ولا يبني. لأنه يتعدد بتعدُّد المتغيّرات، والمتغيّرات تتنوع - بل تتناقض- بتعدُّد الثقافات والمدؤ ثرات، المعرفية والفلسفية من العلوم الاجتماعية، والدراسات اللسانية، والأنثروبولوجية و الابستمولوجية، وكل (اللوجيات) المعروفة وغير المعروفة، مما يمكن أن يتمخض عنه الغد القريب أو البعيد. كل ما أ صله الراسخون في العلم من أعلام الأمة وأئمتها الكبار، في أصول الدين، أو أصول الفقه، أو أصول التفسير، أو أصول الحديث: كل هذا د بر أذان هؤلاء، وتحت أقدامهم.