نسائم الإشراق، الحلقة رقم (1868) 6 أبريل2022م، 05رمضان 1443هـ، فقه الوسطية الإسلامية والتجديد، معالم ومنارات، الشيخ يوسف القرضاوي، الحلقة رقم (146)

فالمسلم ليس جامداً على الماضي، ولا متحجّراً على ما كان عليه سلفه الأقدمون، وان كان حقاً أو باطلاً، بل هو مع الحق يدور معه حيث دار، مكاناً وزماناً، فإذا وجد حقاً أو خيراً، عض عليه بالنواجد، فعمل به، ودعا إليه غيره،

ليستفيد منه كما استفاد: (وَمَنْ أحْسَنُ قَوْ لا مِمَّنْ دعَا إلِى اللَّه وَعَمِلَ صَالِحا وَقَالَ

إِننِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت:33). فهذا هو ما نفهمه من موقف القرآن من التجديد، وهو موقف الترحيب والتأييد.

التجديد في السنة:

أما التجديد في السنة، فالأمر فيها واضح بلا ريب. وقد جاء في ذلك حدديث أبي داود الشهير الذي رواه في كتاب الملاحم، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إ ن الله يبعث لهذه الأمة على أرس كل مائة سنة من يجدّد لها دينها"1. وقد صححه أئمة هذا الشأن، وتلقته الأمة بالقبول، وحاولوا تطبيقه على الواقع التاريخي، وكان الغالب على أفهامهم أ ن المجدّد واحد، ولذا اتفقوا عليه في بعض القرون، واختلفوا في بعضها الآخر، لوجود عدد من الأئمة الذين لهم وزنهم وأثرهم في حياة الأمة.

ولكن هناك من العلماء من اجتهدوا في شرح الحديث إلى مفهوم أوسع نطاقاً من المفهوم الشائع، وهو أن (مّن يجدّد) الواردة في الحديث، تصلح للجمع، كما تصلح للمفرد، ولهذا رجحوا أن المجدّد قد يكون أكثر من فرد، بل ربما يكون المجدّد أفراداً عدة، بعضهم من الأمراء العادلين، وبعضهم من العلماء المتبحرين، وبعضهم مدن القادة العسكريين، وبعضهم من الزهاد المربّين الصالحين. وحتى من كان منهم من العلماء، قد يكون بعضهم فقيهاً يبين الأحكام، وبعضهم محدثاً يدافع عن السنة، وبعضهم مفسراً يخدم القرآن، وبعضهم متكلماً يحامي عن العقائد، وبعضهم متصدوفاً يز كّي الأنفس، ويقاوم البدع.