الحلقة رقم (1873) 11 أبريل2022م، 10رمضان 1443هـ، فقه الوسطية الإسلامية والتجديد، معالم ومنارات، الشيخ يوسف القرضاوي، الحلقة رقم (151)

حاجة الفرد إلى معونة غيره: 
والحق أن الفرد مهما تكن مواهبه، ومهما يكن عطاؤه، فهو محدود الطاقة والقدرة، ما لم يكن معه أعوان يشدُّون أزرهُ، ويقوون أمره، فالمرء قليلٌ بنفسه، كثيرٌ بإخوانه، ضعيفٌ بمفرده، قو ي بجماعته وأعوانه. ولهذا قال موسى عليه السلام –
وهو القويُّ الأمين – حين كلفه الله بالرسدالة: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرا مِنْ أهْلِي * هَارُونَ 
أخِي * اشْددُ بِهِ أزْرِي وَأشْرِكْهُ فِي أمْرِي * كَيْ نسَبِحَكَ كَثِيرا * وَنَذْكُرَكَ كَثيِرا * إنِكَ كُنْتَ بنِا بَصِيرا} [طه:29-35]، وقال الله تعالى في جوابه: {سَنَشُودُّ عَضُوودكَ 
بأِخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانا} [القصص:35]. 
وهذا يدلنا على أن الفرد مهما قوي، يحتاج إلى معونة غيره، حتى يشتد عضه. وأصرح من ذلك وأوضح قول الله تعالى لرسوله محمد عليده الصلاة والسلام: 
{هُوَ الذِّي أيَدَّكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنيِنَ * وَألَفَّ بَيْنَ قلُوُبِهِمْ} [لأنفدال:63،62].  فقد من الله عليه بأنه أيده بنصره وبالمؤمنين المؤتلفة قلوبهم على غاية واحدة وعقيدة واحدة، أي أيده بالجماعة المؤمنة المتاربطة. 

أخطاء في فهم الحديث:
 واذا فهمنا الحديث هذا الفهم، لم نعد في حاجة إلى انتظار (مُجد دّ)  أو (مهديّ) فرد، يهبط من السماء في علبة مغلقة، دون أي جهد أو سعي منا. ولم نعد في حاجة إلى أن يدعي واحد من الناس: أنه مُجدّد القرن الأوحد، فيقبل منه قوم ويرفضه آخرون، كما فعل الجلال السيوطي رحمه الله، حين ادعى أنه مُجدّد المائة التاسعة، فأنكر عليه كثيرٌ من معاصريه، مع أنه أهل للتجديد كالذين عدّوا في المجدّدين. ولم نعد في حاجة إلى أن يدعي واحد، أو فئة لزيد أوعمرو من الناس أنده مُجدّد المائة العاشرة أو الاربعة عشرة لاشريك له، ولا نظير له، فيقبله من كان على مذهبه أو مشربه، ويوسعه الآخرون تهكماً وسخرية. 
ولم نعد في حاجة إلى أن ينتصب كل فريق لترشيح مُجدّد منه، فأهل الحديث ير شّدحون محدّثاً، وعلماء الكلام يقدّمون متكلماً، ورجال الفقه لا يذكرون إلا فقيهاً، وكل جماعة يقدمون فقيهاً من مذهبهم، فالشافعية يقدمون شافعياً، والحنابلة يرشدحون حنبلياً، وهكذا نجد المهتمين بالسياسة يرشحون خليفة أو أميراً، والمهتمين بالجهاد يرشحون قائداً عسكرياً