رمضان كما عشته (7)/ محمد سالم ابن جدو

 

عرفت التراويح عن قرب سنة 1391 (1971م) وغالبا ما كنت أنام خلالها فأعود محمولا بعد انتهائها، ومع ذلك يعجبني ما أشهده منها، وربما تشاجرت أثناءها مع نظرائي من الأطفال أو تشاجروا دوني، أو أحدثنا صوتا أو أثرنا غبارا، فكان ذلك جرما مستقبحا بالإجماع، يصمت عليه الوالدون والأقربون كأن لم يشعروا به حتى نعود إلى بيوتنا فيكون الحساب.

كنا حوالي عشر أسر آثرت بؤس الموطن على نعيم الاغتراب فتخلت عن المواشي لتتجول الأخيرة في جنوب البلاد وتعبر النهر جنوبا تحت أيدي رعاتها سعيا لتخفيف وطأة الجفاف الذي كان في بدايته.

لم يكن لدينا مسجد، وإنما هو مصلى، أو بتعبير آخر بقعة نقية أحيطت بهلال من مقطوع المرخ (تتارك) يبدأ من جنوب الشرق ويمتد عكس اتجاه عقارب الساعة إلى الغرب. وكانت تشكلات النجوم المتلألئة في السماء تثير خيالي وتبهرني.

في تلك الليالي (ودائما) أعجبت بابن خالي الشاب (الشيخ الفاضل الآن) وهو يقف – حفظه الله- أمام المشايخ كل ليلة تاليا "قِفًّا" من كتاب الله، وفي النهاية تتجاوب الدعوات له "يعملك اتعدلها داير عن داير".

كان قد أناف قليلا على العشرين ولم تكن تلك بداية إمامته في التراويح، لكنها كانت بداية شهودي أنا لها. لم أتمن أن أقف موقفه، أو لعلي لم أتوقع ذلك على الأصح، فقد كان الأمر أعظم مما يمكنني تصوره.

كانت عمته (أمي رحمها الله) مسرورة به دائبة على الدعاء له غيبا ومشهدا، أما أنا فكان عمري ثمان سنوات ولدي ثلث القرآن العظيم في ذلك الوقت، وحين أصبحت في التاسعة عشرة من عمري أمَمْتُ المصلين في التراويح ولم أشعر بأي حرج أو رهبة في ذلك، لكن لم يتح لأمي أن تُسَرَّ بي وتدعو لي أنا أيضا، لأنها فارقت دنياي قبل ذلك بثلاث سنوات.