الانضباط في السنة النبوية/ أحمد محمد عثمان

         الحمد لله الذي خلق كل شيءٍ فقدره تقديراً، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ الذي بُعث إلى أمةٍ جاهلةٍ فربّاها وعلّمها، ونظم شأنها كله حتى جعلها خير أُمةٍ أُخرجت للناس ، وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد؛ فيُعد احترام النظام إحدى القيم السلوكيةٌ الاجتماعية التي تُعنى بها المجتمعات وتحرص عليها، وتعمل جاهدةً على تربية الأفراد على احترامها والتمسك بها حتى تكون سلوكاً يُعمل به وتتم ممارسته من قبل الجميع .

         وإذا أمعنا النظر في تعاليم وتوجيهات وإرشادات ديننا الإسلامي الحنيف؛ فإننا سنجدها قد حثت ودعت إلى احترام النظام والمُحافظة عليه، وعملت من خلال التربية الإسلامية بعامةٍ والتربية النبوية بخاصةٍ على تفعيل هذه القيمة السلوكية التي تُعد في المجتمع المُسلم مبدأ وشعاراً ينادي به الجميع، ثم يتم تحويله إلى سلوكٍ يمارسه الأفراد في حياتهم اليومية ، ويتخلقون به في كل شأنٍ من شؤون الحياة . 
وانطلاقاً من هذا المضمون التربوي النبوي العظيم ؛ فإن على كل فردٍ في المجتمع المُسلم أن يُعنى عنايةً خاصةً بمسؤولياته المختلفة تجاه مجتمعه الذي ينتمي إليه ، وأن يستشعر أهمية الواجب الملقى عليه في هذا الشأن تحقيقاً لما صحَّ في الحديث الشريف عن عبد الله بن عمر ( رضي الله عنهما ) قال : سمعتُ رسول الله  يقول :

" كلكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته، والأمير راعٍ ، والرجل راع على أهل بيته ، والمرأة راعيةٌ على بيت زوجها وولده ، فكلكم راعٍ ، وكلكم مسؤول عن رعيته " (البخاري ، الحديث رقم 5200 ، ص 930 ) . 

         وحتى يكون هناك شيء من البسط والتوضيح فإن من أبرز معاني هذا الواجب أن يُسهم المُسلم بإخلاصٍ وفعالية في حل مُشكلات مُجتمعه ، وأن يعمل على نشر الوعي في أوساطه المختلفة ، وأن يحرص على تفعيل مبدأ احترام النظام بين أفراده وجماعاته ؛ سواءً كان كبيراً أم صغيراً ، ذكراً أم أُنثى ، مُتعلماً أم غير مُتعلم ، مسؤولاً أم غير مسؤول ، وهو ما يؤكده ما جاء في الحديث الشريف عن حذيفة  أن النبي قال :

" من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ، ومن لم يُصبح و يُمس ناصحًا لله ، ولرسوله ، ولكتابه ، ولإمامه ، ولعامة المسلمين ؛ فليس منهم " ( المستدرك ، 7473 ) . 

         أما كيفية حفظ النظام فتكون بأن يُدرك الإنسان أن النظام سلوكٌ دينيٌ ووعيٌ حضاريٌ ، وواجبٌ إنسانيٌ ، وأن أكبر شواهده في واقعنا احترامنا لذواتنا ، والتزامنا الصواب في القول والعمل والنية ، والبعد عن الخطأ والأذى مهما كان صغيراً ، والحذر من العشوائية ، والعبث ، والفوضى ، والظلم ، والاعتداء على حقوق الآخرين في أي شأنٍ ، ومهما كان ذلك يسيراً في تقديرنا لأن ذلك السلوك لا يُمكن أن يتفق وشخصية الإنسان المسلم الذي لا يُمكن أن يعتدي على حقوق الآخرين ، وهو ما أكده وصف النبي  للمُسلم فيما صحَّ عن أبي هريرة  أنه قال :

" المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يحقره ، التقوى هاهنا " ويُشير إلى صدره ثلاث مرارٍ : " بحسب امرىءٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرامٌ ، دمه وماله وعِرضه " ( رواه مسلم ، الحديث رقم 6541 ، ص 1124 ) . 

         كما أن من أهم أساليب احترام النظام أن يكون الإنسان ( في أي زمانٍ أو مكان أو ظرف ) قدوةً حسنةً ، وأسوةً طيبةً لمن حوله في القول والعمل والمظهر ، وأن يكون مُلتزماً في واقعه بالسلوك الاجتماعي المقبول في المجتمع ، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا بالتحلي بالأخلاق الفاضلة ، والتمسك بالقيم الخُلقية والمبادئ والمُثل العُليا التي عليه أن يدعو إليها ، وأن يبُثها بين الآخرين من خلال تعامله الحسن وسلوكه المنظم وتصرفاته المُنضبطة التي تُعد خير ما أُعطي العبد المُسلم فقد جاء عن أسامة بن شريك أنه قال شهدتُ الأعراب يسألون النبي : قالوا : يا رسول الله ! ما خير ما أُعطي العبد ؟ قال : " خُلُقٌ حسنٌ " ( رواه ابن ماجة ، الحديث رقم 3436 ، ص 575 ) . 

         ويأتي من أبرز الأساليب وأنفعها لحفظ النظام أن يحرص الإنسان على تقويم وتصحيح ما قد يصدر عنه من سلوكياتٍ خاطئةٍ غير مقصودة ، وأن يرجع إلى جادة الصواب إذا ما وقع في الخطأ فعن معاذ أن رسول الله قال له " :يا معاذ ، اتبع السيئة بالحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن " ( رواه أحمد ، الحديث رقم 22039 ) . 

         كما أن من الأساليب الفاعلة في حفظ النظام أن يعمل المسلم على مُساعدة الآخرين من حوله على اكتشاف أدوارهم الاجتماعية الحاضرة والمُستقبلية التي يمكنهم من خلالها المُشاركة الجماعية في تنمية مظاهر الانضباط الذاتي للمجتمع ، والطاعة الواعية عند أفراد المجتمع . وهو ما يشهد له الحديث النبوي الشريف ؛ فقد صحّ عن أبي هريرة أن رسول الله قال :

" من دعا إلى هُدًى ، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه ، لا ينقُصُ ذلك من أجورهم شيئًا ، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه ، لا ينقصُ ذلك من آثامهم شيئًا " ( رواه مسلم ، الحديث رقم 6804 ، ص 1165 ) .

         يُضاف إلى تلك الأساليب أن يحرص الإنسان المسلم على إتقان عمله المُسند إليه ، وبذل أقصى جهدٍ في أدائه على الوجه المطلوب الذي يُرضي الله تعالى أولاً ، ثم يُرضي من استأمنه عليه وأسنده إليه ، فعن أم المؤمنين عائشة ( رضي الله عنها ) أن رسول الله قال : 
" إن الله عز وجل يُحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه " ( المعجم الأوسط ، الحديث رقم 897 ) .

         وبعد ؛ فليس هذا هو كل ما أشارت إليه التربية النبوية في شأن احترام النظام ، وإنما هو جزءٌ من كلٍ ، إذ إن كل حثٍ أو دعوةٍ أو توجيهٍ في هذا الشأن إنما هو درسٌ تربويٌ نبويٌ لحفظ النظام واحترامه في حياة الإنسان المسلم الذي يمتاز نهجه الحياتي بأنه يمكن له أن يجعل من محافظته على النظام عبادةً يُثابُ عليها ويؤجر متى أخلص النية في ذلك ، وابتغى بها وجه الله تعالى انطلاقاً من قوله  : 
" إنما الأعمال بالنيَّات ، وإنما لكل امرىءٍ ما نوى " ( رواه البخاري ، الحديث رقم 1 ، ص 1 ) .

 

وختامًا / أسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما فيه الخير والسدّاد ، والهداية والرشاد ، والحمد لله رب العباد