القوميات والأعراق في مالي ...صراع دائم وتعايش على ضفاف الدم/ إعداد موقع الفكر

 

 
على مدى عقود متعددة، إن لم يكن قرونا ظل الصراع عنوان الحياة الأبرز في منطقة الساحل، وخصوصا في منطقة مالي التي تعايشت فيها أعراق وقوميات متعددة الأديان والألسن والألوان، وكان الصراع من أجل الحياة الإطار العام الذي تعايشت فيها تلك القوميات، ومن أجل الحياة، تقاتل الناس عند الآبار والمراعي ومن أجل السياسة.
 
خارطة القوميات المتناقضة
تتعايش في مالي قوميات متعددة، أبرزها
البمبارا سكان الجنوب وملاك السلطة، وبيدهم في الغالب زمام الأمر وإليهم ينتمي أيضا رؤساء مالي المتعاقبون باستثناء رئيس المجلس العسكري الجديد الذي ينتمي إلى أقلية مانينغا.
يعتقد البمبارا أنهم أحفاد ملوك إمبراطورية مالي التي حكمت أصقاعا واسعة من الغرب الإفريقي، وتمثل باماكو وما جاورها من أقاليم الجنوب.
الطوارق: أو الأعجام كما يلقبهم جيرانهم العرب، إحدى أهم القوميات البيضاء في مالي، ويتوزعون على مناطق متعددة من الشمال وإلى كم هائل من القبائل والزعامات السياسية والدينية، وهم رأس الشوكة في التصدي للجنوب والمطالبة باستقلال الشمال، ومن أبرزهم قواهم السياسية الحركة الوطنية لتحرير أزواد
العرب: يشترك العرب مع الطوارق في إقليم أزواد، ويملك أغلب العرب الماليين امتدادات اجتماعية في موريتانيا والصحراء الغربية والجزائر، وتتعدد العناوين والحركات السياسية الممثلة للعرب الأزواديين ومن أشهرها الحركة العربية لتحرير أزواد التي أسسها الإداري والزعيم الروحي أحمد ولد سيدي محمد البربوشي.
 
الفولان: تعيش قومية الفولان بفروعها المختلفة، ومن أشهرها قبيلة ماسينا في الوسط المالي، ويمثلون مع غيرهم من القوميات إحدى أهم معاقل الثقافة الإسلامية، في المنطقة، إضافة إلى أن عددا كبيرا من أبناء هذه القومية هم بدو رحل، يعيشون حياة رحيل متواصل خلف البقر.
وقد عانى الفولان خلال السنوات الأخيرة من عمليات تصفية عرقية واسعة، وردات فعل انتقامية من الجيش المالي وبعض القوميات الأخرى، بسبب عمليات إرهابية متعددة نفذتها كتيبة ماسينا بقيادة الموجه الديني الفولاني آمادو كوفا.
ويشكل الفولان وأقاربهم التكلور الكتلة الأغلبية في مالي، ومع فهم مهمشون في السياسة والمال والأعمال.
 

 
الصراع ...من الوطن إلى العرق
 
عاشت منطقة مالي تاريخا طويلا من الصراع طيلة القرنين المنصرمين، وذلك نظرا لأجواء الاضطراب السياسي التي كانت تسود منطقة الساحل، وقد أخذ هذا الصراع أبعادا دينية وعرقية، مثل حرب أتباع الحركة التيجانية بقيادة الحاج عمر الفوتي وأبنائه مع أتباع الحركة القادرية، وهو ما أدى إلى مجازر واسعة.
كما توسعت الحروب أيضا بين العرب والطوارق، وبين الطوارق والبمبارا، وبين الدوغون الصيادين والفولان الرعاة.
 
ومع استقلال مالي أخذ الصراع بعدا عرقيا مع ثورة 1963 التي شارك فيها سكان الشمال بمختلف قومياتهم احتجاجا على ديكتاتورية نظام الجنوب بقيادة.
 
ويتهم قادة الشمال نظام الرئيس المؤسس موديبو كيتا، بتسميم الآبار وارتكاب مجازر عرقية مروعة ضد البيض في الشمال.
ومع كل انتفاضة في الشمال كان أصابع الاتهام تشير إلى باماكو بارتكاب مجازر التصفية العرقية، رغم أن المطالب ظلت وطنية وعامة، ساعية إلى استقلال الشمال أو حكم ذاتي على الأقل.
 
وفي مرحلة لاحقة، انتقل كفة الصراع إلى دفة العرب، الذين شكلوا منذ منتصف الثمانينيات حركات سياسية وعسكرية مناوئة للحكم المركزي في باماكو.
ولاحقا انتقل الصراع إلى قومية الفولان التي حملت هي الأخرى السلاح ضد الحكومة المالية في طبعة من أعنف طبعات العنف والدم التي تملي فصولها على الإنسان المالي منذ عقود.
 
وخلال السنوات الأخيرة أخذ الصراع بعدا عرقيا بين القوميات وخصوصا فيما بين العرب والسودان في منطقة تمبكتو وكاوة، والفولان والدوغون في منطقة الوسط، وقد أنتجت هذه الصراعات كما هائلا من المجازر وبحارا لا تنضب من الدماء والأحقاد.
 
 
إرهاب تحت الغطاء العرقي
 
أخذ العنف في مالي لون الأرض والإنسان، وتحدث بلهاجات السكان، وقد استطاعت الجماعات المسلحة في شمال مالي، توطين العنف وإدخالها إلى تفاصيل الأزمة العرقية في البلاد.
لقد انتقل السلاح الموجه إلى الحكومة المالية وعلاقاتها الخارجية من أيدي المسلحين القوميين، في فترة الستينيات إلى أيدي الجماعات المسلحة المشكلة في بدايتها من عناصر جزائرية وموريتانية في الغالب، قبل أن يتوزع بعد ذلك إلى كتائب قومية، اندمجت لاحقا في جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التي تضم مختلف الكتائب العسكرية المقاتلة في منطقة الساحل، وخصوصا في منطقة شمال مالي، وتضم على سبيل المثال الكتائب الطارقية بقيادة أياد غالي، إضافة إلى كتائب ماسينا التي تضم عناصر الفولان بقيادة آمادو كوفا، والعناصر الجزائرية والموريتانية التي كانت منضوية تحت تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي.
 
 
العرق وسيلة للتحكم الفرنسي
 
تتهم فرنسا بشكل واسع بزراعة وتوطين الصراع في إفريقيا من خلال الدمج الظالم بين القوميات المتناقضة في حدود وطنية جامعة، تتحول مع الزمن إلى أسوار ومحاضن للعنف.
وقد استطاعت فرنسا وهي مستعمر أساسي لأغلب دول الساحل وغرب إفريقيا تشتيت أغلب القوميات المشكلة للسكان في المنطقة.
وقد نال العرب والطوارق والفولان بشكل خاص نصيبا هائلا من هذا التشتيت حيث تتوزع هذه القوميات على أكثر من ثمانية دول في المنطقة، مخلفة بذلك بوابات صراع متعددة في المنطقة.
وإضافة إلى ذلك فإن دعم فرنسا للنظام الأحادي في مالي، كما أن الوجود العسكري في فرنسا بات هو الآخر  مسوغا بالنسبة للجماعات المسلحة ذات الطابع العرقي في شن هجومات انتقامية ضد ما يعتبرونه عمليات تصفية عرقية تمارسها فرنسا ضد بعض القوميات التي تعتبرها محاضن تاريخية للإرهاب، حيث توجه هذه التهمة بشكل دائم إلى العرب والفولان.
 
ورغم تعدد أزمنة وفصول العنف في مالي، فإن سلطان العرق وأزمة القوميات تعتبر أصعب أزمات مالي وأكثرها تعميرا في بلد يحتاج إلى عقد اجتماعي جديد، وعمران على أساس غير قومي.