كيف نفهم الإسلام (30) الإسلام والرق (3)/ محمدو البار

بسم الله الرحمن الرحيم

 

وصلنا في المقال الثاني من هذا العنوان "الرق والإسلام" إلي ما كتبناه وبينا سببه وهو أن الرق الإسلامي له سبب وحيد وهو الأسر في الجهاد في سبيل الله ويكون هذا الجهاد مستكمل أركان إباحة الاسترقاق وهو كونه تحت سلطة حاكم عام تهمه حفظ بيضة الإسلام كعقيدة طبقا لما في القرآن، فيرد عنه الفتنة وينشر كلمة التوحيد في من لا يؤمن بالله ربا ولا برسالة محمد صلي الله عليه وسلم بمعنى: المتمسك بالكفر الجاهلي، وقد طلب من هذا الكافر علنا أن يؤمن بالإسلام كما هو، وبعد امتناعه يأمر هذا السلطان النائب أو الخليفة في الأرض عن الله لتبليغ رسالة الإسلام، وهو أما الإسلام كدين أو أن يقبل الكافر أن تكون كلمة الله هي العليا في الحيز الترابي لمكان الجهاد وعندئذ يعطي الكافر الجزية وهو ذليل لقوة المسلمين الحاكمين علي المنطقة كلها.

أما غير هذه الصورة فأي نوع من الاسترقاق غيرها يجعله الإسلام من أكبر الكبائر لأنه استكبار وبغي في الأرض ومكر فيها بغير الحق، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.

فخارج هذه الصورة وحدها يرجع الإنسان كله إلي الأصل المسطر في كتاب الله وهو الخلق الموحد من ذكر وأنثي والمصير الموحد بغض النظر عن وجود بعض آيات الله ترى بالعين المجردة وهي قوله تعالي: {{ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين}}.

فالآية هنا جمعت بين إعجاز خلق السموات والأرض واختلاف الألسن والألوان، فلا يفرق بينهما بمجرد الرأي والعادة، فبما أن الإنسان عاجز عن تغيير آيات السماء والأرض فهو عاجز عن إدخال أي تصرف في اختلاف الألسن والألوان.

وكما قدمنا أعلاه وقبله فإن الجهاد الإسلامي المترتب عليه الرق لم تكتمل أركانه إلا في الجزيرة العربية أو أطرافها من أرض الفرس والشام ومصر ممتدا عنها غربا إلي أفريقيا أي بقعة محدودة وتاريخ محدود، ووضعية مختلفة يختلف أنواع القتال فيها من طلب الجهاد الموصوف وصفا دقيقا يظهر أن الاسترقاق فيه كان لضرورة قلة المسلمين وتحفيزا لإيصال الإسلام إلي البشرية كلها، فمقابل الشهادة وجود الحياة بعدها مباشرة صاحبها حي يرزق وفتح قريب، ومعروف ما يترتب علي نصر المسلمين في الجهاد.

ومن فهم تعاليم الإسلام كما هي فسيتيقن أن الله أوضح في القرآن أن هذا الرق مؤقت وكأن الإسلام أوقف مناديا فوق المسلمين آمرا وعارضا كل ثمن علي المسلمين ليتخلصوا ساعتهم من استرقاق كل إنسان.

فمع محدودية السبب الأول للرق ألح الإسلام علي أن تخلصوا من أرقائكم فمن عمل منكم أي خطإ في أوامر دينه فليعتق رقيقا عنده وما أكثر أخطاء الإنسان في الوقوف مع دينه.

فمع أن الله لم يُسْمِعْ المسلمين أثناء الجهاد ولا بعده كلمة استرقوهم بأي لفظ في القرآن مقرون مع الجهاد بل قال: {{فإذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق  فإما منا بعد وإما فداء}} ولكن أبادر القول هنا أن من أنكر وجود سبب الرق في الجهاد فهو كمن ينكر وجوب الصلاة والصوم إلي آخره، لأن الله أمرنا باتباع ما جاء به الرسول صلي الله عليه وسلم وما قال، والقرآن فيه أكثر من مرة {{وما ملكت أيمانكم}} ورتب عليها كثيرا من الأحكام حتى في خطابه للنبي صلي الله عليه وسلم :{{يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك}} إلي آخر الآية، ومعلوم أن الفيء ما يأخذه المسلمون من أعدائهم في الجهاد من غير قتال.

ومن هنا أعود لكتابة عتق أمر الله به يظهر منه أن الله لم يبح الرق في الإسلام إلا ريثما يتخلص منه المسلم (وذلك هو الذي يقول له الفقهاء تشوف الشارع للحرية) فما هي علاقة  قتل الخطإ بالأمر بعتق رقبة ؟ فمعروف أن المقتول ينتفع أهله بالدية ولكن لا ينتفعون بعتق إنسان حتى ان المؤمن إذا قتل مؤمنا آخر ولكن أهله أعداء للإسلام فلا يعطهم الدية ولكن عليه أن يعتق رقبة، فهذا المؤمن لم ينتفع بالعتق ولا من الدية لعدم إسلام أهله وعداوتهم للمسلمين، فكأن المسلم كان عنده أسير وصفه أنه رقيق يقول تعالي:{{فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة}} إلي آخر ما في القرآن والحديث من الترغيب في العتق.

وهذا كله في الأرقاء الذين أسروا في الجهاد الشرعي الذي وصفنا أركانه أعلاه.

ومن هنا نذكر بما كتبه الدرديري الذي عندنا هنا عالم مشهور سمي عليه يقول الدرديري هذا أن مصر في القرن الثاني عشر هجري لا تعرف عبدا أسود فمن حلف ليعتقن عبدا لا يبر يمينه عندهم إذا أعتق عبدا لونه أبيض فهم لا يعرفون العبيد السود، لأن العبيد السود دخلوا في الإسلام من الجنوب ومن حياة أخرى غير الجهاد الإسلامي وهي إما عادات وتقاليد كانت عند شعوب المنطقة، وإما بسبب اقتتال المماليك الزنجية والعربية والبربرية في الجنوب، كل قتال يحصل فيه الأسر وهو قياس يصرح الفقهاء ببطلانه لفقده لجميع أركان القياس الشرعي في الإسلام، وهو شبه المقيس للمقيس عليه لعلة جامعة هي محل الحكم إما ذكرا أو مضمونا.

ومعلوم هنا الفرق الكبير بين جزئي القتال المقيس عليه واحد منهما الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، والآخر مثل الانقلابات استعمال القوة لسيطرة الأقوي علي الأضعف ولو جميع مسلمين.

وبذلك نصل إلي ما يترتب عليه بطلان جميع الرق في الجنوب والغرب الافريقيين وغير ذلك من أطراف الأرض التي يصلها الإسلام وتتقبله بالحكمة والموعظة الحسنة من الدعاة.

ولا أحتاج هنا أن أذكر بما يعرفه الجميع وهو أن القبائل والشعوب التي كانت تتقاتل حتى العصر الحديث في أول القرن الماضي كان كل واحد منها إذا تغلب علي الآخر يأخذ ممتلكاته كملك له أثاثا أو إنسانا، ومعلوم أن المعاملة بالمثل في الإنسان لا تجوز لأنه لا يعرف أًصل الملك ولا وضعية صاحبه في الرق المشروع ولاسيما في الرق المغصوب الناتج عن القوة والغلبة.

وفي المقال القادم سأبين إن شاء الله حسب ما يفتح الله به من المعلومات عن الواقع الذي كان سائدا وما هي حقيقته وكيف حمل أثقاله أو التخلص منها قبل يوم القيامة والآن أقول: {{رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي}}

محمدّو بن البار