قراءة تشخيصية للمشهد السياسي الموريتاني/ محمد الأمين ولد الفاضل

إن أي قراءة تشخيصية للمشهد السياسي الموريتاني لابد وأن تسجل ضعف أداء الأحزاب السياسية وتراجع تأثيرها، وإذا كان هذا التراجع يُعَدُّ من الظواهر العالمية التي لم يسلم منها أي بلد، إلا أن هناك بعض الأسباب المحلية التي زادت من حدته على المستوى المحلي. سأحاول في هذه الورقة الكاشفة التي ستقدم قراءة تشخيصية للمشهد السياسي الموريتاني أن استعرض معكم أهم الأسباب التي أدت إلى ذلك التراجع، وسيكون ذلك من خلال إبراز أهم نقاط الضعف التي تعاني منها الأحزاب السياسية سواء كانت في المعارضة أو في الموالاة، ولن يفوتني في هذا المقام أن أعرج قليلا على بعض المبادرات الشبابية التي يعتقد أصحابها أنهم أفضل حالا من الأحزاب السياسية التقليدية. لن أقدم في هذه الورقة الكاشفة الجديدة أي مقترحات أو حلول للتعامل مع نقاط الضعف هذه، ربما يكون ذلك في مقام آخر...في هذه الورقة سنكتفي فقط بقراءة تشخيصية لواقع الأحزاب السياسية، وما تعاني منه تلك الأحزاب من مشاكل وتحديات.

أولا / تشخيص واقع أحزاب المعارضة

تعاني أحزاب المعارضة الموريتانية من تحديات ومشاكل عديدة، لعل من أبرزها:

1ـ إنهاك العشرية: لقد خرجت أحزاب المعارضة الموريتانية منهكة بعد عقد كامل من الصدام والصراع الحاد مع نظام الرئيس السابق. صحيح أن المعارضة الموريتانية قد أتعبت الرئيس السابق، ولكن الصحيح أيضا أن الرئيس السابق قد أتعب هو بدوره المعارضة وأنهكها كثيرا، من خلال تصفية أطرها، ومضايقة داعميها، وكان الإنهاك أشد وقعا على أحزاب المعارضة التي قاطعت انتخابات 2013.

2 ـ انعدام الثقة بين قادة أحزاب المعارضة نتيجة لكثرة الانتكاسات التي شهدتها تحالفات وتكتلات المعارضة خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، وكانت هذه الانتكاسات تتكرر دائما كلما كان هناك اختبار جدي، أي كلما كانت هناك استحقاقات انتخابية، أو دعوة من  السلطة للحوار أو للمشاركة في الحكومة ...إلخ.

تراكم هذه الانتكاسات أدى إلى انعدام الثقة بين قادة أحزاب المعارضة، وجعلها غير قادرة على تشكيل تحالف أو تكتل جدي في السنوات الثلاث الأخيرة.

3ـ تراجع دور القادة التاريخيين للمعارضة، وتناقص قدرتهم على التأثير في المشهد السياسي، مع عجز المعارضة عن انجاب قادة جدد يسدون الفراغ الذي خلفه تراجع أدوار قادتها التاريخيين. إن المعارضة الموريتانية تعيش اليوم أزمة قيادة حقيقية، وذلك نتيجة لفشلها في خلق قادة جدد يمتلكون من الإمكانيات القيادية ما يكفي لسد الفراغ القيادي الذي خلفه التقاعد السياسي الإجباري وغير المعلن لقادتها التاريخيين.

4 ـ الحاجة إلى ابتداع أساليب نضالية جديدة تتناسب مع أجواء التهدئة السياسية. لقد تعودت المعارضة الموريتانية خلال العقود الثلاثة الماضية ( 1990 ـ 2019) على أسلوب الصدام مع الأنظمة الحاكمة، وراكمت خبرة كبيرة في هذا المجال، ولكن هذه المعارضة التي لا تعرف إلا الأساليب النضالية في ظل الصدام مع الأنظمة الحاكمة، وجدت نفسها في السنوات الثلاث الأخيرة أمام نظام لا يريد الصدام معها، الشيء الذي يستدعي منها ابتداع أساليب نضالية جديدة تمكن من مقارعة نظام لا يريد الصدام مع معارضته، وهو الشيء الذي لم توفق فيه حتى الآن.

5 ـ  من التحديات التي تواجهها اليوم المعارضة الموريتانية، والتي لا تجد من يتوقف عندها هي أن أساليب النضال ومقارعة الأنظمة الحاكمة هي بشكل عام، في حالة تغير مستمر، وبغض النظر عن طبيعة الأنظمة الحاكمة. فما كان يصلح من أساليب نضالية في التسعينيات من القرن الماضي لا يصلح اليوم في زمن سيطرة مواقع التوصل الاجتماعي. كانت الأساليب التقليدية للنضال تتمثل في القدرة على الحشد الجماهيري، والاستعداد لمواجهة الأنظمة الحاكمة وأذرعها الأمنية، وتحمل ما ينتج عن ذلك من تعذيب وتنكيل وسجن. أما اليوم فلم يعد التعذيب في السجون ممكنا، ولم يعد الحشد الجماهيري الميداني هو وسيلة الضغط الوحيدة، بل أصبح هذا الحشد الجماهيري الميداني يجد منافسة قوية من الحشد الافتراضي من حيث القدرة على التأثير. إن التأثير على الأنظمة الحاكمة أصبح يحتاج اليوم بالإضافة إلى الحشد الجماهيري إلى القدرة على الحشد في مواقع التواصل الاجتماعي، والتأثير في الرأي العام بكل أشكال التأثير المتاحة، وإنتاج  وابتداع الأفكار النضالية التي تتلاءم مع كل مرحلة من مراحل مقارعة الأنظمة الحاكمة.

قد لا أكون وُفقت في التعبير بشكل جيد في هذه الفقرة عن مدى أهمية الأخذ بالتغيير الحاصل في الأساليب النضالية، ولتقريب الفكرة أكثر فسأقدم مثالين من حقبة المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة يوضحان ما أردت التعبير عنه:

المثال الأول : عندما قرر الرئيس السابق تغيير العلم الوطني وإلغاء مجلس الشيوخ، ظهر أن هناك تمسكا قويا لدى الشعب الموريتاني ـ وبكل أطيافه ومكوناته ـ بعلم الاستقلال، وقد عبرت ـ علنا ـ بعض الشخصيات المحسوبة على النظام عن تمسكها بالعلم القديم.. في تلك الفترة نظمت المعارضة الموريتانية العديد من المسيرات والمظاهرات والاحتجاجات القوية، والتي أنفقت عليها أموالا طائلة جمعتها بشق الأنفس.. كانت المعارضة تعتقد أن كل الخيارات المتاحة لها لإسقاط التعديلات الدستورية تقتصر فقط على التظاهر والاحتجاج، وفاتها أن هناك خيارات أخرى، وأن هناك أسلوبا نضاليا آخر غير الاحتجاج والتظاهر قد يكون أقل كلفة مادية وأكثر فاعلية، وأشد استقطابا للمواطنين. أذكر أني حينها  اقترحت على المنتدى وكنتُ عضوا في مكتبه التنفيذي أن يقوم بحملة واسعة لرفع العلم الوطني على كل منزل وسيارة في المدن الكبرى (وخاصة العاصمة نواكشوط)، وأن ينفق عُشْر ما أنفق على المسيرات المناهضة للتعديلات الدستورية على هذه الحملة، على أن تنطلق تلك الحملة خلال شهر الاستقلال (شهر نوفمبر) الذي يسبق الاستفتاء. كان يمكن أن تتحول مقرات فروع أحزاب المعارضة في العاصمة وفي المدن الكبرى إلى فروع تعزف النشيد الوطني يوميا، وتوزع الأعلام على المواطنين وتحثهم على رفعها فوق منازلهم وعلى الشوارع والسيارات.. لو أن شيئا مثل ذلك حدث، ولو أن المعارضة أنفقت عُشْر ما أنفقت من أموال وجهد على المسيرات، أنفقته على حملة واسعة من هذا النوع، لَرُفِعَ علم الاستقلال في كل مكان، ولظهر مدى تمسك الشعب الموريتاني به، و لوجدت السلطة نفسها في حرج وإرباك شديدين وهي تشاهد علم الاستقلال مرفوعا في كل مكان، وذلك في وقت تقول فيه إن نتائج استفتائها تؤكد أن أغلبية الشعب الموريتاني صوتت لتغيير العلم الوطني.

المثال الثاني : أذكر خلال التحضير لإحدى مسيرات المنتدى أني كنتُ مع أحد رؤساء الأحزاب المنخرطة في المنتدى، وكان حينها يقود حملة بيت ـ بيت لحث المواطنين على المشاركة في المسيرة، فقلت له لماذا لا تفكرون في حملة هاتف ـ هاتف بدلا من بيت ـ بيت، وأن تسجلوا مثلا رسالة دعائية قصيرة تحث المواطنين على المشاركة في المسيرة، وأن تنشروها على حساباتكم في مواقع التواصل الاجتماعي، ويمكن أن تدفعوا قليلا من المال للترويج لتلك الرسالة، حتى تظهر على كل حساب موريتاني في الفيسبوك، ومن المعروف أنه يندر في المدن الكبرى وجود منزل موريتاني لا يملك أحد أفراده حسابا على الفيسبوك، وبذلك تضمنون نجاح حملة بيت ـ بيت عن طريق الهواتف المزودة بالإنترنت، ودون أن تتحركوا جسديا لطرق أبواب البيوت : بيتا بيتا.

لم يقتنع رئيس الحزب بذلك، واللافت أنه لم يكن في ذلك الوقت يملك أي حساب باسمه على الفيسبوك.

ثانيا / تشخيص واقع أحزاب الأغلبية

تعاني الأغلبية من مشاكل وتحديات لا تقل خطورة عن حجم المشاكل والتحديات التي تعاني منها المعارضة، حتى وإن بدت تلك التحديات والمشاكل مختلفة في بعض الأحيان. سنكتفي عند حديثنا عن التحديات والمشاكل التي تواجهها الأغلبية بالحديث عن المشاكل والتحديات التي يواجهها الحزب الحاكم (حزب الإنصاف)، وذلك باعتبار أن هذا الحزب يشكل العمود الفقري للأغلبية الحاكمة.

يعاني حزب الإنصاف ـ كغيره من أحزاب الأغلبية ـ من عدة مشاكل وتحديات، لعل من أبرزها :

1ـ  صعوبة بلورة خطاب سياسي قادر على أن يجمع بين ملمحين متناقضين، على الأقل ظاهريا، عاشهما النظام الحالي خلال السنوات الثلاث الأخيرة. أول الملمحين هو أن النظام الحالي يعد امتدادا للنظام السابق، وثانيهما هو أن النظام الحالي فتح أكبر ملف فساد في تاريخ البلد ضد بعض أركان النظام السابق. لم يحدث هذا من قبل، فأي نظام جديد إما أن يعتبر النظام السابق له نظاما بائدا وفاسدا، ومن هنا تكون بلورة خطاب سياسي جديد يقوم على انتقاد النظام السابق أمرٌ في غاية السهولة، أو يعتبر في الحالة الثانية أنه ـ أي النظام الجديد ـ يشكل امتدادا للنظام السابق، وهنا تكون أيضا بلورة خطاب سياسي جديد يقوم على تثمين منجزات النظام السابق والوعد بإنجازات أكبر أمرٌ في غاية السهولة. الصعوبة تكمن في بلورة خطاب سياسي جديد يجمع بين ملمحين متناقضين يتمثلان في أن النظام الحالي هو من جهة امتداد للنظام السابق، وهو من جهة أخرى يحاكم النظام السابق، أو على الأقل يحاكم أهم أركانه، بتهم تتعلق بملف فساد غير مسبوق من حيث عدد المشمولين ومواقعهم، ومن حيث حجم الأموال المنهوبة.

هذا الإشكال كان يمكن تجاوزه لو أن ما يقارب ستين نائبا وشيخا سابقا (شيوخ الحزب الذين أسقطوا التعديلات الدستورية ونوابه الذين رفضوا التوقيع على مبادرة النواب للمأمورية الثالثة) تجمعوا وشكلوا كتلة داخل الحزب الحاكم تتولى قيادة  ما سمي حينها بمعركة المرجعية.

إن غياب أي واجهة سياسية وإعلامية من هذا النوع داخل الحزب الحاكم، وعدم ظهور أي قيادي من الحزب من الذين اتخذوا مواقف قوية ضد المأمورية الثالثة، أو من الذين أسقطوا التعديلات الدستورية في الواجهة، والاكتفاء في معركة المرجعية بنفس الوجوه التي كانت تعرف وإلى وقت قريب جدا بدعمها اللامشروط للرئيس السابق.. كل ذلك صعب من بلورة خطاب سياسي جديد قابل للتسويق، وقادر على التعبير عن  النظام الحالي الذي لا يتبرأ من كونه امتدادا للنظام السابق، ولكنه في نفس الوقت لم يتأخر في فتح أكبر ملف فساد ضد أهم رموز وأركان النظام السابق.

2 ـ هناك تحدٍّ تشترك فيه الأغلبية والمعارضة، فإذا كانت المعارضة الموريتانية قد تعودت خلال العقود الماضية على أسلوب الصدام مع الأنظمة الحاكمة، الشيء الذي جعلها تعاني من الارتباك عندما وجدت نفسها في السنوات الثلاث الماضية مع نظام لا يريد الصدام مع معارضته. إذا كانت المعارضة قد عانت من ارتباك شديد خلال السنوات الثلاث الماضية، فإن الأغلبية عانت هي أيضا من نفس الارتباك، ذلك أن الأحزاب الحاكمة قد تعودت هي أيضا أن تدافع عن أنظمة تنتهج أسلوب الصدام والمواجهة مع معارضتها، ولم تتعود على مقارعة المعارضة في فترات التهدئة السياسية، ولذا فقد وجد الحزب الحاكم نفسه في ارتباك شديد خلال السنوات الثلاث الماضية، فهو لم يتمكن من ابتداع أساليب جديدة لمقارعة المعارضة في أجواء التهدئة، وهو لا يستطيع أن يستخدم نفس أساليبه القديمة التي تعود على استخدامها في فترات الصدام والمواجهة مع المعارضة، وقد تسبب كل ذلك في نوع من ضعف الحماس والخمول السياسي لدى الحزب خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

3 ـ تراجع دور وتأثير الشخصيات التقليدية بشكل عام، والتي كانت ـ وما تزال ـ تشكل أحد أهم مكونات الأحزاب الحاكمة، وهذا التراجع كان في صالح بعض مراكز القوى الجديدة، وهي قوى لم تتبلور حتى الآن بشكل نهائي. يمكن أن نضيف إلى ذلك أن القوى التقليدية التي تعاني من تراجع في التأثير بشكل عام، تعاني أيضا من كثرة الانشطار الداخلي، والذي تزداد حدته عاما بعد عام، وموسما انتخابيا بعد موسم انتخابي.

فإذا كان في الماضي يمكن للحزب الحاكم أن يتعامل مع شخص واحد لضمان تصويت أغلبية في مكتب معين، فاليوم أصبح الأمر مختلفا، وأصبح هناك عدة أشخاص في كل مكتب انتخابي، يريد كل واحد منهم أن يتعامل معه الحزب وعلى أساس أنه هو الشخص الأكثر تأثيرا في ناخبي ذلك المكتب.

إن ما يحدث من انشطار وإعادة انشطار على مستوى الناخبين التقليديين الكبار يعدُّ من أهم التحديات التي يواجهها الحزب الحاكم، والذي أصبح مجبرا بفعل هذا الانشطار إلى التعامل مع عدة رؤوس متنافسة بل ومتخاصمة في كل مكتب انتخابي، بدلا من التعامل مع رأس واحد.

4 ـ كانت هناك أيضا مشاكل التعايش والانسجام داخل الحزب بين قيادات كانت في المعارضة دعمت الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني والتحقت بالحزب، وبقية الحزب ـ وهي أغلبيته ـ التي انتقلت من دعم الرئيس السابق إلى الرئيس الحالي...صحيح أن مشاكل التعايش والانسجام بين القادمين من المعارضة وقيادات الحزب الأصلية ظلت دائما تحت السيطرة، ولم تخرج إلى العلن إلا في حالات محدودة جدا، ولكن الصحيح أيضا أنها ظلت موجودة، وكانت تؤثر ـ بشكل أو بآخر ـ على أداء الحزب. 

5 ـ هناك طائفة كبيرة من الشباب والأطر والشخصيات التي لم تكن مهتمة في السابق بالعمل السياسي أعلنت عن دعمها القوي للرئيس محمد الشيخ الغزواني بعد خطاب ترشحه (فاتح مارس 2019)، أعلنت عن ذلك من خلال مبادرات سياسية، أو من خلال مواقف فردية. هذه الطائفة من الداعمين لم يتمكن الحزب الحاكم من استقطابها، وحتى ولو استقطب القلة منها، فإن أساليبه التقليدية في العمل السياسي قد لا توافق تطلعات أولئك. هذه الطائفة من الداعمين وجدت نفسها خارج دائرة التأثير في الأغلبية، مع أنه كان بإمكانها أن تلعب دورا حيويا في الأغلبية، ولكن عجز الأغلبية التقليدية عن  استقطابها، وعجزها هي عن  خلق ذراع سياسي وإعلامي قادر على أن يلعب أدوارا مكملة لأدوار الأغلبية التقليدية.. كل ذلك جعل هذه الطائفة ـ والتي كانت تعلق عليها آمال كبيرة في ضخ دماء جديدة في الأغلبية ـ تبقى خارج دائرة التأثير السياسي في أغلبية الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.

ثالثا/ تشخيص واقع المبادرات والحركات الشبابية

أتاحت مواقع التواصل الاجتماعي فرصة كبيرة للشباب الموريتاني للمشاركة والتأثير في الشأن العام، فهذه المواقع أصبحت تشكل منابر سياسية وإعلامية بديلة للمنابر التقليدية. ولكن الملاحظ أن الشباب الموريتاني لم يستغل حتى الآن هذه الفرصة المتاحة بشكل جيد، وهو ما زال يقبل ـ ورغم التذمر العلني ـ بأن يقتصر دوره على إنعاش المهرجانات في المواسم الانتخابية، أو في أحسن الأحوال أن يشكل وقودا للحركات الاحتجاجية، ودون أن يستثمر ذلك في مشاريع سياسية قادرة على التأثير الفعلي في المشهد السياسي.

يمكن القول في هذا الصدد بأن الشباب الموريتاني المهتم بالشأن العام يعاني من جملة من نقاط الضعف، لعل من أهمها:

1 ـ شعور الكثير من الشباب المهتم بالشأن العام بأن دوره يقتصر فقط على نقد السلطة والمعارضة والمجتمع، أي على نقد الواقع، وأنه غير معني إطلاقا بخلق البدائل والمبادرات السياسية التي من شأنها أن تساهم في تغيير ذلك الواقع الذي ينتقده باستمرار؛

2 ـ فشل الشباب الموريتاني في استثمار جهده الاحتجاجي الذي قدم خلال العقد الماضي، وخاصة جهده في الحركات الاحتجاجية التي ظهرت مع موجة الربيع العربي، فشله في استثمار ذلك الجهد الاحتجاجي الكبير في مشاريع سياسية قابلة للنماء والتطور؛

3 ـ عجز الشباب المهتم بالشأن العام عن خلق مساحات مشتركة تمكن من استقطاب أكبر عدد ممكن من الشباب في مشاريع سياسية قادرة على البقاء وقابلة للتطور، فمن الصعب أن تجد اليوم العشرات من الشباب الموريتاني يجتمعون تحت عنوان سياسي شبابي واحد. هناك أسباب عديدة لذلك، وربما يكون من أهمها الشعور الكاذب الذي تمنحه مواقع التواصل الاجتماعي لنشطائها، فكل ناشط في هذه المواقع يخيل إليه أنه لا حاجة له في الآخر، ما دام يمتلك حسابا في إحدى منصات التواصل الاجتماعي يتحدث فيه بما شاء، وكيف ما شاء، وفي أي وقت شاء.

إذا كان يحسب للطبقة السياسية التقليدية رغم ما لديها من أخطاء أنها ظلت قادرة على خلق مساحات مشتركة تساعدها في تشكيل تحالفات وتكتلات سياسية، قد يطول عمرها وقد يقصر حسب الظروف، فإن الشباب الموريتاني المهتم بالشأن العام، وعلى العكس من ذلك، ما زال عاجزا عن خلق تلك المساحات المشتركة، وما زال غير قادر على تشكيل تحالفات أو تكتلات تجمع الحد الأدنى من الحد الأدنى من الشباب.

خلاصة القول

لقد حاولت هذه الورقة الكاشفة أن تقدم قراءة تشخيصية للواقع السياسي في البلاد ونقاط الضعف التي يعاني منها كل مكون سياسي ( الأغلبية؛ المعارضة؛ المشاريع السياسية غير المصنفة)، ومن المعلوم بداهة أن علاج أي خلل يبدأ بتشخيصه، ومن المعلوم كذلك أن أي ضعف في النظام السياسي بمختلف أطيافه ومكوناته، سيؤدي إلى بروز بدائل غير مطمئنة سياسيا، ومن هنا تبرز أهمية البدء في معالجة نقاط الخلل هذه من طرف الجهات المعنية بها، ومن المهم أن تبدأ تلك المعالجة من قبل حلول الموسم الانتخابي القادم.

حفظ الله موريتانيا...