د. أسماء بنت عبد الرحمن لموقع الفكر: المشاكل المطروحة للتعليم في مرحلة التسعينات هي ذات المشاكل اليوم

موقع الفكر: ما تقويمكم لواقع التعليم العالي في موريتانيا؟

د. أسماء بنت عبد الرحمن: تقويمي للتعليم في موريتانيا بشكل عام أنه للأسف ما زالت مشاكله تراوح مكانها فما زالت المشاكل المطروحة في مرحلة التسعينات هي ذات المشاكل اليوم، ويعد إصلاح 1999 - رغم أنه  من أحسن الإصلاحات- لكن له سلبيات منها تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية وإن كانت موريتانيا ليست بدعا من الدول العربية في ذلك فأهل المشرق يدرسون باللغة الإنكليزية وأهل المغرب العربي يدرسون باللغة الفرنسية ويدرسون المواد الأدبية باللغة العربية، وهذا الإصلاح أثر على الطلاب في موريتانيا والوطن العربي لأن معرفة الطلاب باللغة الأجنبية معرفة متواضعة إذا تجاوزنا الجيل الذي درس أيام الاستعمار وجيل الستينات والسبعينات و بالتالي فهذا يشكل عقبة أمام إصلاح التعليم العالي وأعطيكم مثالا من مسابقة دخول المدرسة العليا لأساتذة التعليم الثانوي  حيث أن أساتذة الفيزياء لم ينجح منهم أحد، وكذلك أساتذة اللغة الفرنسية.

 وأساتذة الرياضيات نجح منهم عدد قليل دون العدد المطلوب في حين أن أساتذة المواد الأدبية  لم يوجد فيهم نقص.

وإضافة إلى عائق اللغة هناك عائق آخر وهو عائق ثنائية التعليم الخصوصي والعمومي فالتعليم الخصوصي يضع  طاقمه التربوي في ظروف جيدة أما القطاع العمومي فرواتبه متدنية وبعيدة كل البعد عن وضع الرواتب في شبه المنطقة،  ففي المملكة المغربية تعتبر الرواتب من أكبر الرواتب في العالم حيث يتقاضى المعلم المساعد راتبا يقدر بمائتين وخمسين ألف أوقية والأستاذ الجامعي  فراتبه يتراوح ما بين مليون ونصف إلى مليوني أوقية ،إضافة إلى فصل القطاعين العمومي والخصوصي فمن اختار العمل في القطاع  العام عمل فيه ومن اختار القطاع الخاص بإمكانه أن يعمل فيه، وفي موريتانيا قد يقول القائل إننا نعاني خصاصة فيما يتعلق بالقطاعين العام والخاص.

 وإصلاح التعليم يبدأ بإصلاح الكوادر البشرية  والتحسين من وضعية الطوا قم التربوية لأن الأستاذ والمعلم هما أول الركائز فيما يتعلق بالعملية التربوية وإذا وضعت المدارس في وضعية حسنة وكان الطاقم التربوي معطلا في واقع مزر صاحبه يفكر في كيفية تحصيل قوت يومه وترتيب أمر بيته اليومي فلن يجدي ذلك نفعا لأن المدرس سيحضر من أجل التوقيع فقط .

وينبغي أن يكون في أولياتنا مراجعة سلم الرواتب وتطوير الكوادر البشرية .

 وتقوم وزارة التهذيب وإصلاح التعليم حاليا بجهود تذكر فتشكر، حيث تعهد الوزير بحل مشاكل التعليم وفي مقدمة ذلك ترسم ألفي متعاقد إضافة إلى أربعة آلاف كانت لدى مسبقا.

ونعرج على التعليم العالي فنحن نعرف أن إرهاصات التعليم العالي بدأت نهاية عقد السبعينات مع مؤسسة عريقة خرجت كوادر البلد من قضاة وأساتذة وغيرهم ألا وهي مؤسسة المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية  وكانت تجربة رائدة في المنطقة فدرست طلابا أجانب من المنطقة وغيرها ثم جاء بعد ذلك مشروع جامعة نواكشوط 1982م ولم ير المشروع النور إلا في العام  1986م.

 يمكن أن نعتبر أن التعليم العالي محصور في جامعة نواكشوط  الوحيدة  ومجموعة المعاهد الأخرى  كالمعهد العالي للزراعة والمعهد العالي لإدارة المؤسسات والمحاسبة والمعهد العالي المهني والمدرسة العليا للأقسام التحضيرية، اللهم إذا استثنينا جامعة لعيون الإسلامية والمعهد العالي وهما يتبعان من حيث الوصاية لوزارة الشؤون الإسلامية.

 وتحتوى جامعة نواكشوط على  أربع كليات أنشئت متفاوتة، ونحن نعلم أن كلية العلوم والتقنيات كانت معهدا فحولت إلى كلية، وأن كلية الطب أنشئت حديثا، وهذه الكليات تستقبل سنويا الطلاب الناجحين في امتحان  البكلوريا من جميع الشعب وهي موجودة في  المركب الجديد فحولت كلية الآداب وكلية العلوم وكلية الطب وآخر الكليات التي التحقت بالمركب الجديد هي كلية القانون قبل سنة من الآن.

 ومن المعلوم أن كليات القانون والاقتصاد من أكبر الكليات في العالم لأنها تخرج  الكفاءات التي تدير العالم،  وبالرغم من ذلك تعاني هذه  الكلية عددا من المشاكل المالية والإدارية والبنيوية وفي المناهج التربوية و ظلت هذه الكلية مهمشة في السنوات الست المنصرمة وكذلك الحال بالنسبة لكليتي  الآداب والطب فلم يكن  الوزير سيدي بن سالم يتعامل إلا مع كلية العلوم والتقنيات، لأنه أحد طواقمها التربوية، والمحيطين به في الوزارة اختارهم من أهل كلية العلوم ولك أن تتصور أنه في الماضي جاءتنا خمسة آلاف طالب أربعة آلاف منهم من طلاب الاقتصاد والبقية من أهل القانون وإن كانت إدارة كلية الاقتصاد  تعبر عن حسن نية ولكنها لم توضع في ظروف تمكنها من العمل، ونفس  الشيء تقوله إدارة كلية الآداب وحتى كلية العلوم .

والطاقم التربوي بشكل عام  ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول  من الشيوخ الذين استهلكتهم الكلية تدريسا وعطاء وأصبحوا على أبواب التقاعد، ويعاني أغلب هؤلاء من الأمراض ولم تعد  بهم من طاقة.

القسم الثاني هم الأساتذة المعينون في وظائف، ويعملون خارج الجامعة ولم تعد لهم علاقة بالجامعة إذ يتقاضون رواتبهم من الإدارات التي يعملون فيها.

القسم الثالث وهم المتعاقدون مع الجامعة ويمثلون القسم الأكبر في كل الكليات وعليهم يقوم العمل، ووضعيتهم وضعية مزرية وغير قانونية وخارجة على جميع أعراف العمل الدولية ويحسب للوزير السابق  سيدي سالم إعلانه العزم على القضاء على  وضعية " التعاون" داخل الجامعة لأنه في الحقيقة  نوعا من انواع السخرة وخارج على القانون  المحلي و الدولي،  واستبشرنا بهذا الأمر خيرا وبدأ العمل في الكليات الأخر للقضاء على هذه الظاهرة، وذلك عن طريق تنظيم عقود عمل دائمة أو غير دائمة وبالفعل أعلنت إدارة كلية القانون عن 12 عقدا لأهل القانون،  لأن أساتذة الاقتصاد اكتتب منهم  قبل ذلك 16 أستاذا جامعيا، وقد استبشرنا خيرا ولكننا تفاجأنا بإلغاء هذه العقود نظرا للمشاكل السياسة.

   ومن الواجب فصل السياسة عن الحقل الأكاديمي كليا فالوزراء والسفراء والمديرون يمكن أن يعينهم الرئيس ممن انتخبوه، لكن الوظائف العمومية ينبغي أن يتساوى فيها الناس مثلما يعلن في كل  مسابقة إنها تفتح أمام الموريتانيين البالغين من العمر سنة كذا إلى سنة كذا بمواصفات معينة ونحن نريد أن تكون هذه المسابقات العمومية مسابقات شفافية.

 وبالمناسبة شبكة التنقيط شبكة ظالمة في جلها وسبق أن تحدثنا عن ضرورة فصل المسابقة الداخلية والخارجية، فمن الظلم اشتراط نشر البحوث لمجموعة من العاطلين عن العمل في حين أن التعاون مع الجامعة ليس  متاحا لكل الناس، إلا الذين يدرسون مواد الاقتصاد الفرنسي.

 فإذا كنتُ أنا  قد درست في الجامعة وبالتالي لدي العدد اللازم من ساعات التدريس المطلوبة  فإن شبابا خريجين ليست لديهم هذه الميزة وبالتالي يتم حرمانهم ، وأذكر أنني حينما كنت أدرس  في المغرب وكان معي أحد الزملاء  المغاربة وناقش رسالة الدكتوراه  قبلي  بسنة فلما جئت إلى الجامعة كي أناقش وجدته أستاذا مكتتبا في الجامعة دون أن يمارس من التدريس إلا ما تقتضيه مرحلة لإعداد للدكتوراه  من ممارسة الطلاب التدريس قبل حصولهم على الشهادة،  في حين أننا هنا في موريتانيا نصطدم بالواقع الصعب، وكذلك اللغات في هذه الشبكة ظالمة  لأنها تعطي 20 نقطة للغة ويكون السؤال هنا مشروعا، فكيف يفرضون الفرنسية على المكونين بالعربية ولا يفرضون العربية على المكونين باللغة الفرنسية، وإذا كنت من الأساتذة العلميين فإنك ستجري الامتحان باللغة الفرنسية وستجري امتحان اللغة باللغة الإنكليزية فلماذا تفرض الفرنسية على أساتذة لمواد أدبية، فمن المعلوم أنهم لن يدرسوا باللغة الفرنسية فهذا مجرد إقصاء لهم من المقابلة، ولماذا تكون المقابلة على %50 وتقويم اللجنة على 30%.

 إذا كان التقويم  قد ألغي من الوظيفة العمومية فمن باب أولى إلغاؤه من مسابقات  التعليم العالي وبالمناسبة أطالب وزيرة التعليم العالي بإلغاء هذه الشبكة الظالمة.