عندي اقتراح كبير من أجل تركيا لدي حلم كبير جدا نحن موجودون بين تراجع الغرب وصعود الشرق. استعدوا للمفاجآت/ إبراهيم كرغول

أحاول منذ فترة طويلة فتح نقاش حول مسألة ما لإنضاج فكرة ولفت الانتباه لها، كما أسعى لاستخلاص أفضل ما لدي داخل عقلي لتكون هذه الفكرة أفقًا جديدًا من أجل وطننا تركيا.

لقد أصبح جليًّا أنّ العالم انقسم بين الشرق والغرب، وأنّ التكتل الجديد يسير في هذا الاتجاه، وأن العالم يمشي نحو هذا المستقبل، وأن قضايا السلام والصراع ستدور بين هذين الاتجاهين.

لذا نرى المعادلات الاقتصادية والسياسية والأمنية والثقافية دائمًا ما تتشكل في هذا الإطار الذي تتشكل وفقه كذلك كل النقاشات والمواقف الحالية، فهذا ما نراه في الوقت الراهن.

هل علينا الاختيار بين الشرق والغرب؟
أليس لدينا خيار آخر؟
إذن، هل يمكن أن يفرز العالم شيئًا جديدًا بخلاف الصراع بين الشرق والغرب والانقسام بينهما والتحزب أو إعادة التشكل؟ وأيّ الجبهتين سنقف عليها؟
هل علينا الاختيار بين الشرق والغرب؟ هل علينا تسيير أمورنا معهما في آن واحد؟ إلى أي مدى يمكننا أن نضع حساباتنا المتوازنة بين هذا وذاك بالنظر إلى حساباتنا المستقبلية؟

نعلم جيدًا أنّ التبعية أحادية الطرف إلى الشرق أو الغرب ستكون سببًا في فرض السيطرة مجدّدّا على تركيا، وهو ما نخشاه، ذلك أننا نعلم أن ذلك سيجبر تركيا على أن تقبل أحكامًا جديدة.

لن تكفينا محاولات البحث الضعيفة عند الغرب الهابط والحماسية عند الشرق الصاعد.

الأهم من ذلك أنّ تركيا دولة تبحث عن مسارات جديدة بصورة مطلقة معتمدة على تقاليدها الإمبراطورية، وسيطرتها الإقليمية في آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، وقدرتها على بناء القوة على مدار مئات السنين، وجيناتها السياسية التي لا تركع أمام أيّ تحالف في اللحظة التي تتخطى فيها القوة حدودها.

لذلك لن يكفي تركيا العلاقات المتأصلة مع الغرب الذي يسير في طريق الهبوط، ومحاولات البحث الحماسية مع الشرق الذي يسير نحو الصعود.

ذلك أنّ تركيا بدأت محاولة بحث جديدة من خلال ذهنها ومثلها مباشرة عقب انتهاء الحرب الباردة؛ إذ بدأت هذه المرة محاولة البحث بالقوة التي اكتسبتها عقب هجمات 15 تموز. 

وقد أعلنت صراحة عن نيتها هذه منذ بدء جائحة فيروس كورونا من خلال طموحاتها وإمكانياتها وما لديها من مهارات.

هل ثمة إمكانية لمحور جديد بخلاف الشرق والغرب؟
نفعل هذا منذ ألفي عام!
فما الذي تريد تركيا فعله؟ أو ماذا يمكنها فعله؟ ما الذي يمكنها إضافته لما فعلته حتى اليوم؟ ما الذي يمكنها أن تقترحه لما هو مستقبلي وعلى نطاق أوسع لما أسسته من قوة حولها؟
كيف تستطيع تركيا فتح الباب أمام كيان فوق وطني ذي مركزية إقليمية واسعة، تفوق مساعي المركزية المحلية؟ هل تستطيع بذل مجهود كبير يترك بصمته في هذا القرن؟ هل يمكنها قيادة موجة صعود محور جديدة يختلف عن محور الشرق والغرب من خلال مقترح كهذا؟
في الواقع فإننا نفعل ذلك منذ لفي عام، إذ فعلناه ونحن نؤسس الإمبراطوريات وننهي أعمارها، وفعلناه ونحن نرسم ملامح المنطقة، وكذلك ونحن نهدي تاريخ البشرية كيانات سياسية قوية، وهو ما نحن مستعدون لفعله مجدّدًا لنقود هذه الفكرة وندعم الجهود المبذولة في هذا السياق.
هناك "يد تركيا" التي تجوب العالم.

نحن أمام لغة سياسية..
لقد أسس "محور تركيا"، ووضعت تركيا خريطة القوى الخاصة بها وحدّدت مجال قوتها ورسمت طريقها نحو المستقبل، ونرى فيما وراء حدودنا الجنوبية وشرق المتوسط والقوقاز.

إنّ القوات المسلحة التركية تؤدي اليوم مهامًّا في ثلاث قارات، كما أنّ منظمات المجتمع المدني ورجال أعمالنا يجوبون العالم ويصلون حتى أقاصي الدنيا.

عندما ننظر للأمر من هذا المنظور سنرى أنّ هناك "يدا تركية" ممتدة من أعماق أفريقيا حتى آسيا الوسطى ومن كلّ شبر من أرض الشرق الأوسط حتى الشرق الأقصى، وهو ما يتخطى محيطنا القريب بكثير جدًّا، والاهم من ذلك أنه صار هناك "لغة سياسية" في غاية القوة والتأثير خارج "الحدود الموضوعة المطلقة" للشرق والغرب، وهي اللغة التي تدعمها تركيا.

إذن، هل يمكننا صياغة تصور سياسي أبعد بكثير من "محور تركيا"؟ هل نستطيع رسم ملامح كيان فوقي أكثر اتساعًا ومشاركة من الأطراف؟ هل نحن قادرون على صياغة أملً جديدً؟ هل نستطيع بدء محاولة بحث جديدة لوضع تعريفات سياسية جديدة بخلاف الوصاية والرقابة السياسية للشرق والغرب؟
فهذا هو مصدر نقاشنا وبحثنا ههنا.
هناك حزام إسلامي أوسط بين محوري الأطلسي والهادئ
نحن مهد الإنسانية!
شهد يوم 15 تشرين الثاني المنصرم توقيع أكبر اتفاق تجارة حرة جمع دول المحيط الهادئ في آسيا؛ إذ أقامت دول شرقي وجنوب شرقي آسيا شراكة تجارية ضخمة، فهذه البلدان استطاعت ملء الفارغ الذي خلفه تراجع أمريكا والغرب لتستثني من هذه المعادلة الجديدة أمريكا وأوروبا. 

وفي الواقع لم تكن هذه شراكة اقتصادية وحسب، بل وضع أساس لمحور الشرق.
ولقد ذكرني هذا الاتفاق بتلك الفكرة التي لطالما كتبت عنها بين الحين والآخر منذ نحو خمس سنوات، ألا وهي فكرة أنّ ثمة "حزامًا أوسطًا" ممتد من سواحل الأطلسي إلى سواحل الهادئ، وهو الحزام الرئيس للعالم، وهو الحزام الإسلامي الذي يعتبر مهد الإنسانية الذي ولدت به كل الحضارات والثقافات والإمبراطوريات.
سيرسم هذا الحزام ملامح الدنيا.
يضم هذا الحزام تقريبًا كلّ طرق التجارة البرية والبحرية تقريبًا ومعظم موارد الطاقة في العالم، كما يقع به نحو كلّ ممرات الطاقة ومصادر المعادن على هذه الأرض، كما يضم الحزام جماهير تعترض على النظام الدولي الذي وضعه الغرب، وشعوب تفرز لغة سياسية وقادرة على تصفية حساباتها مع هذا النظام الدولي عند الحاجة. 

وهذا الحزام هو المكان الذي تخوض فيه كلّ القوى المركزية في الشرق والغرب صراعًا ضد القوى الصاعدة، كما سيتشكل من خلال ما يحدث في هذا الحزام الشكل الجديد للنظام الدولي؛ ولهذا فإنه يشهد أشرس الصراعات وتصفية الحسابات بين القوى.

تراجع الغرب وصعود الشرق..
وبينهما نحن موجودون..
في قلب محور تركيا..
تقع تركيا في قلب هذا المحور؛ إذ ليس هناك أيّ دولة أخرى لديها ما لدى تركيا من مجال تأثير وإرث سياسي وثقافي واسع النطاق لهذه الدرجة، وممتد من سواحل الأطلسي إلى سواحل الهادئ وأواسط أفريقيا. 
وتستطيع تركيا أن تطلق مبادرة عميقة من خلال "مشروع الحزام الأوسط" لتبذر بذور شراكات اقتصادية فوق وطنية وتحولها بمرور الوقت إلى قوة سياسية مشتركة.
ربما تتحول تركيا إلى عنوان ومركز جديد لصعود قوة جديدة بين تراجع الغرب وصعود الشرق. كما يمكنها أن تبني كيانًا اسمه "الحزام الأوسط" بين الشرق والغرب، ويمكننا أن نطلق عليه اسمًا آخر، وهو الأمر الذي لو حدث يمكن من خلاله أن تغير تركيا محور العالم.
ينبغي لرئاسة الجمهورية ووزارتي الخارجية والدفاع تأسيس مراكز عمل لتحقيق هذا الهدف.
ينبغي لرئاسة الجمهورية ووزارتي الخارجية والدفاع تأسيس مراكز عمل ودراسة ووحدات قادرة على دراسة هذا الأمر بشكل مستفيض في الوحدات المعنية التابعة لها، كما عليها إفراز عقلية استراتيجية ووضع حسابات مستقبلية، لا ينبغي أن يترك مركز العالم بلا حسيب ولا رقيب في الوقت الذي يتشكل فيه محور الشرق أو الغرب، كما يجب ألا يتحول الحزام الإسلامي الحادي والعشرين إلى منطقة أزمات في هذا القرن كذلك. 
فهذا هو المصير الذي اختاروه لنا، لكنه ليس مصيرنا الحقيقي.

ينبغي لتركيا طرح هذه المسألة للنقاش في إطار فكري راق للتركيز على إفراز وعي وفكرة وخطاب، فلو انطلقنا من خلال "تعريف جديد للجغرافيا السياسية"، فإننا سنرى العديد من الدول من شمال أفريقيا إلى سواحل الهادئ تقدم على محاولات بحث مشابهة.
نعيش عصر المعجزات والطموحات والمثل الكبرى
وما يجبرنا على فعل ذلك هي كل خطوة نخطوها وكل تطور جديد يشهده العالم. 
إن تركيا قادرة على تغيير محور العالم، كما أنّ صعودها القوي الذي ستشهده الجغرافيا المركزية يمكن أن يقلب كل حسابات الشرق والغرب بشأن القوة.
إننا نعيش عصر المعجزات والطموحات والمثل الكبرى.
وهناك غموض كبير للغاية حول مستقبل العالم. 

إذن تستطيع تركيا أن تكشف النقاب عن هوية إقليمية مشتركة من خلال طموح كبير، ولو فشلنا في ذلك فإنّ هذا الذي نطلق عليه"الحزام الأوسط" سيتحول إلى منطقة ربما تشهد على مدار قرنين مزيدًا من الصراعات والفقر والنهب.
تغير خريطة القوى السياسية للقرون الخمسة الماضية.
استعدوا للمفاجآت!
إنّ الذين يحاولون فهم كل هذه الأمور من خلال عقلية الشرق والغرب لن يفلحوا في فهم شيء، أما الذين ينظرون لما يحدث من خلال عقلية تركيا والمنطقة فإنه سيرون أنّ هذه المعجزة ليست شيئًا مرعبًا بل إنها ممكنة وحتمية.
وإياكم أن تنسوا أن القوة تسير نحو الشرق بعدما خسر الغرب قواعده، فهذا ليس تغييرا دوريا بل إن خريطة القوى السياسية للقرون الخمسة الماضية تسير نحو التغيير، وإياكم أن تقارنوا هذا بأي شيء آخر.
استعدوا لاستقبال مفاجآت استثنائية.