الذين اكتَفَو من الوطن بوثيقة سفر دفعوا ثمنَها دمًا وعرَقًا مالِحًا ودموعا../ د. خالد عبد الودود

وفي الأرض منأًى للكريم ..عن الأذَى ¤¤ وفيها لِمَن خاف القِلى متحوَّلُ

لعمرُكَ ما في الأرض ضيق على امرئٍ¤¤ سَرَى راغبا أو راهبا وهو يعقِلُ

الذين حزموا حقائب الأسفار ولَمْلَموا أشياءَهم واكتَفَو من الوطن بوثيقة سفر دفعوا ثمنَها دمًا وعرَقًا مالِحًا ودموعا..

الذين فارقوا أمّهات حانيّات وحبيبات مؤنسات ورفقاءَ عُمرٍ ومراتعَ صِبا؛ ثُمّ ألقَوْ بأنفسهم في لُجَجِ اليمّ وطِباق السموات لا يَلوون على شيء؛ يخافون خيبة الرجوع ويهابون الوصول إلى المجهول

يَجوسُون خلال الأدغال والغابات؛ يقطعون القفار والوهاد؛ يرحلون كما كان آباءهم يفعلون، يتسلقون جُدُرَ الحديد ويتسَوّرون أهداب الحياة

يَستأنسون بالذكريات ويُسامِرون الأماني وأحاديث العَشِيّات ويرجون من الله النوال

اللاهثون وراء الحلم هروبا من الكابوس المَقيت؛ وهل كانت الأحلام في بلادنا سوى كوابيس!

إذا ترحّلتَ عن قوم وقد قدروا ¤¤ ألاّ تفارقهم .. فالراحلونَ هُمُ

شرُّ البلاد .. مكانٌ لاصديق به ¤¤ وشرُّ ما يَكسب الإنسان ما يَصِمُ

إنّ بلادا يهجرها شبابُها جنوبا وشمالا وغربا وشرقا بلادٌ مَيتةٌ وأرض بوار، ولقد استأثر عجزَةُ هذه البلاد بخيرتها وتَداعَو عليها كما تداعَى الأكلةُ إلى قصعتها؛ وما بقِيَ من فُضلة يورّثوه أبناءَهم وحفدَتَهم وعشيقاتهم ومَحظياتِهم، ثم لا يجدوا في أنفسِهم حرجًا مِمّا قَضَوْ؛ وقد أغلقوا دوائرَ النفوذ ومداخل السلطة وبيوتَ المال؛ ونافَسوا أطمارَ الناس في أقواتهم وزاحموهم على أفران الحطب وعيون الماء وغِلال الحقول

إن الشباب الذين لايزالون في البلاد هم مجرد فِتية هاجرت أرواحُهم وبقيت جسومهم في انتظار وداع مؤجّل

وليس أقسى من انتظار الرحيل سِوى الرحيل

وإذا استمر هذا النزيف القاتل فلَكُم أن تتصورا بلادا شاسعة كهذه مليئة بالخيرات والماء والرمل والنساء الجميلات؛ ليس بها سوى بقيّة مستضعَفين من الرجال والنساء والوِلدان لا يَستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلا

مُعلّلَتي بالوصل والموتُ دونَه ¤¤ إذا مِتُّ ظمآنا .. فلا نزلَ القَطرُ

بدوتُ وأهلي حاضرون لأنني ¤¤ أرى أنّ دارا لستِ من أهلها قَفرُ