إشراقة ||سيد محمد بن أيده||

 إشراقة..
قال تعالى فى سورة النحل "ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى" فى هذه الآية وما ضارعها من الآيات المتكررة فى القرآن بعضُ الفوائد اللغوية والنحوية المهمة:
- منها عَوْدُ الضمير على غير مذكور، وذلك فى قوله تعالى "ما ترك عليها من دابة" فالضمير فى "عليها" راجع إلى غير مذكور، وهو الأرض، ولكن الأرض يدل عليها قوله تعالى "من دابة" لأن الدواب إنما تدبّ على الأرض، فاستُغني عن مفسر الضمير وهو الأرض بذكر ما دل عليه من "دابة" وقد تكرر هذا فى القرآن الكريم فى مواطن عديدة، منها قوله تعالى "حتى توارت بالحجاب" وقوله تعالى "إنا أنزلنه فى ليلة القدر" وقد أشار العلامة المختار بن بونا رحمه الله فى احمراره على ألفية ابن مالك إلى الحالات التى يُستغنى فيها عن ذكر مفسر الضمير بقوله:
واستغن عن مفسر الضمير * بالكل والجزء وبالنظير 
وما له صاحب مثل ما لزم * منه وبالحضور كالذى عُلم. 
- ومنها مَجيءُ فِعْل فاعل لغير المفاعلة، وذلك فى قوله تعالى "يؤاخذ" فأظهر أقوال المفسرين فيه أن آخَذَ "فاعل" هنا بمعنى الفعل المجرد، وبناء على ذلك يكون المعنى، ولو أَخَذ الله الناس، ومجيءُ فاعل بمعنى المجرد مسموع فى كلام العرب، ومنه سافر وعافى..
- ومن هذه الفوائد كذلك اختلاف علماء النحو والتفسير فى زَمَن الفعل المضارع من قوله تعالى "ولو يؤاخذ الله الناس" وهل حوّلته "لو" بمعنى المُضيّ، أم بمعنى الاستقبال؟
فمن المعلوم عند النحويين أن حرف "لو" يأتى لستة معان جمعها السيوطي بقوله:
ولو لشرط ولتقليل تَمَنْ * ومصدرية وعَرض قد تعن 
وجاء للتحضيض يا نبيه * كما حكاه الجمع والتنبيه.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن حرف "لو" إن كان مصدريا، ودخل على الفعل المضارع فإنه يجعله بمعنى الاستقبال كقوله تعالى "يود أحدهم لو يعمر ألف سنة" وقد أشار إلى ذلك الشيخ ابن بونا فى احمراه عند ذكر الحالات التى يكون فيها المضارع بمعنى الاستقبال بقوله:
والوعد قل فيه بالاستقبال * وبكأن لعل إن لا الحال
إسناده لمتوقع ولو * ونون توكيد وتنفيس كسَوْ.
وإن كانت "لو" شرطية -كما فى الآية- فإنها تكون حرف شرط ماضي، كما قال شيخنا العلامة محمد الحسن بن أحمدو الخديم حفظه الله:
يا مَن يروقه سنا الإيماض * من برق "لو" لو حرف شرط ماض.
وإذا دخلت على الفعل المضارع فإنه يكون بمعنى الماضى فى الغالب، ويصح التمثيل على ذلك بالمضارع من هذه الآية "ولو يؤاخذ الله الناس" ومنه قول الشاعر:
لو يسمعون كما سمعت كلامها * خروا لعزة ركّعا وسجودا.
وقد أشار ابن بونا إلى قاعدة جعل المضارع بمعنى المُضِي إن دخلت عليه لو الشرطية بقوله:
بلم ولما ربما وإذ وقد * لو انصرافه مضيا قد ورد.
ومن غير الغالب دخول "لو الشرطية" على ما دلّ على الاستقبال، ويصح التمثيل عليه بنفس المضارع من الآية أيضا"ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم" ومنه كذلك قوله تعالى "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضِعَفا خافوا عليهم" وقول الشاعر:
ولو تلتقى أصداؤنا بعد موتنا * ومن دون رمسينا من الأرض سبسب 
لظل صدى صوتى وإن كنت رمة * لصوت صدى ليلى يهشّ ويطرب.
وقد أشار ابن مالك فى الألفية إلى ما ذكرنا فى "لو" الشرطية بقوله:
لو حرف شرط فى مُضيٍّ ويقل * إيلاؤها مستقبلا لكن قُبل.
ومنع عدد من النحاة وقوع "لو" الشرطية بمعنى الماضى، منهم ابن الحاج، وتبعه بدر الدين ابن محمد بن مالك، وقد نظم ذلك العلامة ممُّ بن عبد الحميد الجكني بقوله:
ومنع ابن الناظم ابنِ مالِ * وقوع لو شرطا فى الاستقبال 
وقال لا حجة فيما استمسكوا * به هنا من قوله "لو تركوا"
أو غير ذاك من شواهد سَمَتْ * كقوله لو "أن ليلى سلّمت"
لصحة الحمل على المُضِيِّ * مقتفيَ ابن الحاج فى المَرويّ
ومبطل دعواه بعض الفطنا * بتلو "ما أنت بمومن لنا"
وغيرها كما تلا دون النسا * فى شاهد به أزالوا الحندسا..