دردشة بمناسبة اليوم العالمي للتعليم / د.محمد غلام مني

مسيرة التعليم في البلاد كانت استثنائية للعديد من العوامل ..
في البداية كانت النخبة هي من حملت الطبشور  لتأسيس نظام تعليمي حديث وبمقاس دولة.. فكان الجيل الأول من المعلمين هم من "الفتيان" بالدلالة العرفية للمصطلح فتزاحم الكتاب والسياسيون وعلية القوم على بوابة المدرسة فالمهمة كانت مهمة وطنية بامتياز ألم يكن شاعر  القطر أحمد ولد عبد القادر معلما وكذلك المؤرخ والعلامة الخليل النحوي والسياسي الوطني الكبير محمذن ولد باباه..
ألم يكن ذلك يعكس بحق جلال مدرستنا ونظامنا التربوي.

 صحيح أن وظيفة "معلم" وقتها كانت تتسيد هرم التوظيف الحكومي وقد كانت بعض الإقالات ذات الخلفية السياسية تخير المقال بين وظيفة سفير أو مدرس، وغالبا ما يختار المعني وظيفة مدرس، بل إن حكومة الرئيس الراحل المختار ولد داداه  اضطرت مرارا للاستيراد من الطاقم التربوي المميز لشغل مناصب سيادية وحكومية عالية، كان ذاك كله بطعم التأسيس وندرة الكفاءات الوطنية..
لكن النوعية حافظت على خطها التصاعدي حتى مع تطور الدولة واتساع وعاء التوظيف وتأخر وظيفة معلم في التراتبية؛ فمن منا لا يعرف الظاهرة "الطيب ول ديدي" مثلا وملاحمه التربوية..

غير أن الهبوط للسفح كان سريعا وغريبا،
في بداية الألفية وقبيل منتصفها دخلت على مكتب مديرة مدرسة في منطقة ما من هذا الوطن بصفتي مفتشا ووجدتها في خصام محتد مع معلمة وكانت المعلمة تكرر لو كنت متحايلة لملأت عليك المكتب بـ"الروائح"، ومع سياق الخصومة اكتشفت أن المعلمة تقصد "الراحات"، ومع أن الفرق بين الراحة والرائحة هو فرق بديهي إلا أن السيدة المديرة لم يبد أنها لاحظت شيئا من ذلك الفرق، بالمناسبة ألا يعني ذلك بالله عليكم حاجتنا لتقويم منهجي لمن أوكلت إليهم مهمة تعليم فلذات أكبادنا.

 كانت بداية الألفية من وجهة نظري هي البداية الفعلية للتساقط المتسارع لطوابق ذاك الصرح التربوي العتيد ولا زال الخبير التربوي الوطني يبحث في قاع العمارة ليعرف سبب السقوط..

أيها السادة ليكن العيد السنوي للتعليم فرصة لشد الحزام والإسهام في ملحمة إصلاح جاد لمنظومة تربوية ظلت شامخة رغم تواضع الإمكانيات، ولتكن تضحيات الرعيل الأول ملهما لنا في إعادة الاعتبار لمنظومتنا التربوية.