غول البيروقراطية.. المنطقة الحرة نموذجا/ محمد فاضل المختار

لاستصدار ورقة إدارية بسيطة (إذن بناء) من منطقة انواذيبو الحرة تحتاج إلى:
مراجعة خمس جهات إدارية مختلفة وفي مناطق مختلفة ( مقر المنطقة الحرة مركزيا قرب المطار ، إدارة إسكان ، إدارة العقارات، إدارة أخرى تابعة للمنطقة الحرة في سوكجيم ، أحد البنوك لدفع الضريبة )* 
ستراجع بعض الإدارات أكثر من مرة لأن الأمر يتطلب ذلك ( التوقيع غدا) أو لأن المعلومات التي قدموها لك غير مكتملة سواء عن الأوراق المطلوبة أو الإجراءات الواجب القيام بها. 
وفي آخر لحظة ستكتشف الموظفة بعض الأوراق الناقصة ( الملف سبق وقدم ولها ولثلاث إدارات قبلها!)
ولكن المشكلة أن المنزل بعيد جدا والموظفة دوامها ينتهي بعد دقائق ( الساعة تشير الى الواحدة والنصف!)، 
طيب فيها خير ، سأحضر لك الأوراق غدا إن شاء الله، 
الموظفة: لا، أحضر الأوراق يوم الإثنين.
ولكن غدا يوم الجمعة. 
الموظفة: نعم يوم الجمعة ولكن عندنا أعمال أخرى!
أمري إلى الله!... 
تلك هي خلاصة قصتي التي بدأت أمس وقد رافقتني الوالدة والأطفال في السيارة ظنا مني أنها دقائق فقط ونكمل بقية مشاويرنا! 
إذا كان هذا حال من عنده سيارة ويعرف المدينة جيدا،  وعنده الوقت لمهمته، ويعتقد أن له من المؤهلات ما يستوعب به مسار إجراءات إدارية بسيطة؛ فكيف بسيدة عامية لا وسيلة لها، تترك أبناءها وأسرتها دون رعاية؟! أو كيف بعامل بسيط يترك حرفته التي يعتاش منها أو يستأذن من مُشغله لاستصدار وثيقة ينبغي ألا تستغرق دقائق، فإذا بها تتطلب أياما مع جهد ومشقة ومراجعات لا حصر لها؟! 
هذا هو حال المنطقة الحرة كما وقفت عليه اليوم وأمس، ولكنه للأسف حال أغلب إداراتنا..
تحتاج - لتحصل على حقك- وساما ذهبيا في الصبر وضبط الأعصاب وطول النفس، ولي تجارب عديدة مؤلمة مع إدارات مختلفة وفي قطاعات متعددة.. 
توليد في الإجراءات الوهمية التي لا طائل من ورائها أو التي يمكن اختزالها أو اختصارها أو مركزتها أو تفويضها لجهة واحدة أو جهات محدودة..
برودة في التعامل مع المراجعين وفي التعامل مع الأخطاء.. يمنون عليك خدمة هي من حقك وأجورهم وامتيازاتهم هي فقط من أجل تقديمها لك** 
تحتاج الإدارة الموريتانية إلى المراجعة والتطوير من حيث كفاءة  وفاعلية الإجراءات والمساطر، والاستفادة من التقنيات الحديثة والتطور التنكنلوجي من أجل تقديم خدمة ملائمة قريبة فعلا من المواطن.. تحقق الأمان وتلتزم الضوابط، ولكنها تراعي مصلحة المستفيدين ورضاهم وراحتهم وتحفظ أوقاتهم.
فما يمكن تسويته في خطوة واحدة يعتبر من التفريط أن يأخذ أربع خطوات أو خمس.
وما تمكن معالجته عند جهة أو في مكان واحد؛ يصير جناية في حق المواطن أن يتطلب جهتين أو ثلاث.
وما حقه دقائق أو ساعات؛ فمن الجريمة أن يستغرق أياما أو حتى أسابيع. 
الناس تتجه الآن إلى تطوير وتفعيل الإدارة عن بعد، وقد بدأت بعض الجهات الرسمية والخاصة في ذلك (قطاعات: البنوك،الماء، الكهرباء، الضرائب والمسابقات..) 
ولكن يبدو أنه توجد بعض الجهات العصية على التطوير والتحديث والعصرنة، والتي يبدو أنها تستمتع بعذابات المواطنين ومعاناتهم بإجراءاتها البيقروطية المستفزة. 
قد يُتفهم هذا من إدارات بيروقراطية عتيقة وقديمة؛ وليس بالمتفهم طبعا، ولكن من المستغرب أن تنتهج منطقة انواذيبو الحرة نفس المسلك السيء، وهي الحديثة النشأة الحاملة للواء التطوير والتحديث في العاصمة الاقتصادية، الرافعة لشعار التيسير والتسهيل!! 

يحكي خبراء الإدارة قصة طريفة لعلها تفسر حال منطقتنا الحرة مع غول البيروقراطية الجاثم على صدور المواطنين:
" يروون أن فتاة حديثة عهد بزواج كانت حين تقوم بقلي السمك فإنها تقطع رأس السمكة وذيلها.. فصادف أن سألها أحدهم: لماذا تقطعين رأس السمكة وذيلها؟ فقالت: لا أدري. رأيت أمي تفعل هكذا، فأنا أقلدها! ثم سألوا الوالدة نفس السؤال ففكرت قليلا وقالت لست أدري ما الفائدة من ذلك، ولكنني كبرت و أمي تفعل ذلك ففعلت مثلها.. فانتقلوا إلى الجدة فسألوها، عن العلة والحكمة من تصرفها فقالت: ليس بشيء! كانت عندنا أيام زمان مقلاة صغيرة لا تتسع للسمكة كاملة فكنت أضطر إلى قطع ذيلها ورأسها لأتمكن من قليها!!!" 
فتعجب الجميع، فرغم أن الأم والحفيدة تملكان مقلاتين كبيرتين؛ فقد تمسكتا بجهل ودون وعي بروتين الجدة  و طريقتها التي لم تكن ظروفها وإمكاناتها تتيح غيرها! 
ونحن نقول لأحفاد الجدة وحفيداتها في " المنطقة الحرة" وفي "إدارة العقارات" و "إسكان"  :
أنتم في انواذيبو أرض السمك كبيره وصغيره ، وفي العام 2023 عصر التكنولوجيا والرقمنة؛ فاتركوا عنكم رأس السمكة وذيلها، فجدتنا الطيبة قد انتقلت إلى رحمة ربها، ومقلاتها الصغيرة خرجت من الخدمة منذ عقود.. فاستخموا عقولكم، ووسائل عصركم، وأبدعوا ما يخفف عن مواطنيكم عبء غول البيروقراطية هذا.
...... 
* هكذا تحصل عندي وأنا في منتصف الطريق، ربما تظهر إدارات جديدة بداية الأسبوع.
** وللأمانة مما يبشر بالخير هو وجود بعض الشباب هنا وهناك من  أصحاب الأخلاق والمعاملة المتميزة.