المهندس حبيب الله الهريم لموقع الفكر: إذا أردت تقييم سياسة بلدما فعليك أن تنظر إلى وضعه الاقتصادي

في إطار مواكبة موقع الفكر لمجريات الساحة الوطنية، وسعيا منا إلى إطلاع متابعينا الكرام على تفاصيل الأحداث، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر، نلتقي اليوم أحد القامات العلمية والفنية ممن لهم إلمام بواقع الزراعة المروية في موريتانيا، نحاوره ونستجلي من خلاله ما وراء الخبر.
ضيفنا اليوم المهندس حبيب الله الهريم، مهندس زراعي، مدير الاستثمار في الشركة الوطنية للتنمية الريفية " صونادير".

رئيس المجلس الوطني لنقابة المهندسين الزراعيين الموريتانيين

موقع الفكر: هل من نبذة  موجزة عن تاريخ الزراعة المروية في موريتانيا؟

المهندس حبيب الله الهريم: الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى..

لقد قام المستعمر بقليل من المحاولات في ميدان الزراعة المروية وقفت على أطلال اثنتين منها واحدة لزراعة الأرز العائم في منحفض قرب مدينة كرمسين حاليا، والأخرى عبارة عن استصلاح للري بالقرب من مركز دار البركه الإداري، مشروع اسمه (أعمر لعويني ويجري ترميمه حاليا) بتمويل أجنبي، وأما الولادة الحقيقية فترجع إلى نهايات العقد الأول للاستقلال وبدايات الثاني، فقد تم تأسيس مزرعة امبورية في تلك الفترة تم تأسيس الشركة الوطنية للتمية الريفية صونادير، وكان ذلك استجابة للجفاف الذي ضرب أهم دعائم الاقتصاد الوطني في تلك الفترة، مثل الثروة الحيوانية والصمغ العربي والزراعة الفيضية والمطرية ولدعم هذا التوجه بذل رئيس الجمهورية وقتها جهدا كبيرا لتأسيس منظمة استثمار النهر بهدف تنظيم منسوب المياه على مدار السنة، وهكذا انتشرت المزارع المروية وتأسست التعاونيات ووجدت أنشطة كالتموين بالمدخلات والتسويق انفصلت لاحقا عن الشركة الأم كما انفصلت بعد ذلك شركة الاستصلاحات.                                                                              
 
موقع الفكر: كيف تقيمون السياسات الزراعية لمختلف الأنظمة؟ 

المهندس حبيب الله الهريم: إن قبعة النقابة المهنية التي أحمل تمنعني من الخوض صراحة في السياسة بيد أن الربط جدلي بين السياسة والاقتصاد فقد قال أحد الخبراء (إذا أردت تقييم سياسة بلد فعليك أن تنظر إلى وضعه الاقتصادي والعكس صحيح).

على كل حال اسمحوا لي فلن أتطرق إلى نظام بعينه، ولكن إلى أهم المراحل التي أثرت إيجابا على تطور الزراعة المروية.

فهنالك مرحلة التأسيس الشامل لكل مرافق الدولة وقد كان حظ الزراعة المروية فيها مشهودا، في هذه المرحلة تم وضع الأسس التي انبنت عليها الزراعة المروية، فإذا كان تشييد السدود المنظمة لمنسوب الماء في النهر لم يقع في تلك الفترة فإن تأسيس منظمة استثمار النهر التي شيدت هذه السدود قد تم في تلك الفترة كما أسلفنا. 

وفي مرحلة عدم الاستقرار السياسي فقد تأثرت كل الأنشطة سلبا ورغم ذلك يحسب لهذه المرحلة وضع مرسوم الإصلاح العقاري سنة 1983م والذي سيسمح لاحقا بميلاد القطاع الخاص، والذي ساهم في تطوير الزراعة المروية مساهمة كبيرة.

مرحلة التاسيس للديمقراطية وما صاحبها من استقرار شجع الممولين على ضخ تمويلات معتبرة ساعدت في تطوير الزراعة.

مرحلة عودة عدم الاستقرار السياسي التي بدأت سنة 2003م وقد عرف المد التنموي فيها زجرا ومع ذلك تحققت فيها بعض المنجزات كالحصول على تمويل بعض الاستصلاحات الجارية حاليا  وأخرى قد اكتملت.

موقع الفكر : ما  أهم المكاسب التي تحققت حتى الآن في هذا القطاع؟

المهندس حبيب الله الهريم: كثيرة هي المكاسب التي حققها قطاع الزراعة المروية عبر مسيرته آنفة الذكر وإن كان لكل من تلك المكاسب نواقص تتفاوت في الحدة، من أهم تلك المكاسب على سبيل المثال لا الحصر:

أ* اكتمال المكونات كمؤسسات البحث والتكوين والإرشاد، مكاتب الدراسات، شركات الاستصلاح، دخول رأس المال الخاص في عمليات الإنتاج والتصنيع.

ب* العديد من الاستصلاحات وبعضها له بعد استراتيجي حيث يتم الري بالانسياب دون الحاجة إلى مصادر للطاقة مثل حوالي 5000 هكتار في سهل الركيز منها 3500 قيد الإنجاز حاليا وكذلك مشروع فم لقليته المستقل عن نظام النهر وقد حول بعض المنمين إلى قرى زراعية تمارس الإنتاج النباتي والحيواني والبعض يمتهن الصيد القاري وقد أضيفت إلى هدا السد مهمة توفير مياه الشرب للعديد من القرى.   

من أهم المكاسب أيضا تخرج العشرات من الأطر من صونادير شغلوا مناصب هامة في المنظمات الدولية وشكلوا بذلك سمعة طيبة للبلد ومنهم من بلغ سن التقاعد ليصبح خبيرا دوليا ومنهم من ما زال في منصبه.

موقع الفكر: على ذكر سد فم لقليته أين مشروع السكر؟                    

المهندس حبيب الله الهريم: لتعلموا أولا أن تكرير السكر يعد من الصناعات الثقيلة، وإذا تم التكرير كما يجب فهنالك العديد من المنتجات المتنوعة تسوق فتقلل من ثمن السكر الأبيض بالنسبة للمستهلك وردا على سؤالكم فليس لدي الكثير من المعلومات عن ذلك المشروع، وأظن أن التوقف ربما كان عائدا لخلل في الدراسة، فقد يكون الخلل إن صح متعلقا بتقدير المساحة القابلة للري بالانسياب السطحي حيث يحتاج المصنع عادة إلى نحو عشرة آلاف هكتار بينما المساحة أقل من ذلك وقد يتعلق بدراسة السوق و الله أعلم.                                                   

موقع الفكر: ما أهم المعيقات التي تحد من تطور هذا القطاع؟

المهندس حبيب الله الهريم: متعددة هي المعيقات التي تحد من تطور قطاع الزراعة المروية في البلد وللتبسيط سأذكر بعض الأمثلة بالنسبة لكل مكون من الفاعلين الأساسسين:                                                        

 1. مكونات كمؤسسات البحث والتكوين والإرشاد:

تربت على التمويلات الخارجية ولما انقطعت عنها تلك التمويلات تعرضت لعقدة الفطام المعروفة عند أهل التربية بأنها أم العقد وقد تجلى ذلك في ندرة بعض الكفاءات و لم تعوض.

2. شركات الاستصلاح:

حديثة التكوين نسبيا وما زالت تحتاج إلى تراكم الخبرات واقتناء الآليات المتطورة وهذا طبعا مرتبظ بتوفر رأس المال.

3. القطاع الخاص:

تعصف به الخلافات رغم ذكاء أفراده وشجاعتهم ولعل تلك الخلافات تجد إذكاء من جهات سياسية.

4. استغلال المساحات المستصلحة:

تعاني عمليات استغلال المساحات المستصلحة من نقص الآليات وغلاء ثمن خدمات المتوفر منها وضعف التخطيط في بعض المجالات.

 
موقع الفكر: هل من توصيات تقدمونها لمختلف الفاعلين في القطاع؟

المهندس حبيب الله الهريم: من التوصيات العامة:

 أولا: العناية برأس المال البشري فكل شيء يبدأ وينتهي بالإنسان الذي هو غاية التنمية وهو أهم وسائلها، الوزارة تعاني من العقم بسبب قلة الاكتتاب، حيث ستدفن التجارب مع أصحابها إذا لم يجدوا من يتسلمها منهم وقد يعزف الطلاب عن التوجه للزراعة إذا علموا أن عشرات المهندسين لم يستفيدوا من تكوينهم وتحولوا إلى باعة أو زادوا صفوف العطالين. 

للعناية بهذا المصدر أوصي الوزارة (ضمن الهيكلة المنتظرة) بإنشاء إدارة للمصادر البشرية تهتم بالتخطيط بحيث توجه الطلاب حسب حاجة السوق من مختلف التخصصات، وتراقب التشغيل في القطاعين العام والخاص، كما أقترح تحويل المعهد العالي للتقنيات في روصو إلى كلية للزراعة كما أوصي بإلزام أصحاب الحيازات الكبيرة باكتتاب مهندسين زراعيين لتقليل احتمالات الخسارة.

ثانيا: تشجيع استيراد الآليات وإلزام مورديها بتأمين خدمات ما بعد البيع.

ثالثا: على المزارعين في القطاع الخاص أن يتوحدوا ويتركوا خلافاتهم التي تضر بهم كلهم كما في المثل: الجيش المفكك لا يهزم عدوه.

رابعا: على المهندس الزراعي أيا كان موقعه أن يراقب المستجدات العلمية ويطور معارفه الفنية واللغوية باستمرار ليتمكن من إثبات وجوده.