الشيخ محمدو بن حنبل.. قصة إمام عاش للعلم وتوفي ساجدا في محراب التفسير/ إعداد موقع الفكر

كان من العرف العلمي لدى أغلب محاظر الجنوب الموريتاني أن يفتتح الطالب الأمين مسيرته العلمية بعد حفظ القرآن الكريم بحفظ  رملية الإمام محمدو بن حنبل الحسني:
أضرم الهم سحيرا فالتهب  لمع برق بربيات الذهب
لما فيها من لغة جزلة وأدب رفيع وحض على العلم، طلبا ومجاهدة سعيا لعاقبته الحسني ومآله النبيل الأسنى.
ولم يكن الشيخ محمدو في ذلك عارض أدب ولا مبدع قصيدة فحسب بل كانت حياته مصداقا لما دعا إليه، وأيامه صحائف في كتاب الطلب والبذل العلمي، وكان بحق أحد النوابغ الذين جمعوا بين توقد الذهن وبين همة عالية لا تفل لها شباة ولا يفيل لها رأي، وكانت حياته عنوان جد عجيب عبر عنه في كثير من أدبه، بل يمكن القول إن العلم كان القضية المركزية في حياة الرجل:
ألا ياعين ليلك لا تنام = ويومك عارضي ضبح السهام
أنوما قب لحفظ الذكر ضبطا = دعي عنك الرضا بأذم ذام
 حيث كان يرى افتراش رماد ناره التي كان يصطلي بها ويستضيء أحب إليه من عناق الخرائد:
لعمري لنومي في رماد مدارس = تخش خشاش الأرض تحتي كهالك 
أحب لنفسي من عناق خريدة = تقر بها العينان فوف الأرائك
وبلغ من اهتمامه بطلب العلم أن قرع بقوة جدار الصمت حول إقبال الشباب على التصوف في أبياته التي أثارت ردودا وحركت سجالا علميا واسعا
يا خائضين بحور العلم مسألة = عنها أجيبوا بأفهام ذكيات
عن اشتغال شباب العصر كلهم = عن العلوم بأوراد سنيات
أهذه نعمة في الدين نشكرها = أم هي في ديننا إحدى المصيبات
ابن حنبل.. خلاصة حقب العلم وإمام اللغة والتفسير.
هو الإمام العالم العلامة الشيخ محمد بن حنبل بن الفاضل بن محم الفك بن احمد بن اتفغ اعمر الحسني، وقد ولد معما في العلم مخولا، من أسرة ذات باع طويل في العلم والقيادة وما يزال كل خلف منها يقفو سلفه في ما توارثوا من فضل ومعرفة وأدب وموسوعية
مولده ونشأته
ولد الشيخ محمد بن حنبل سنة 1239هـ \1824م، لأبيه حنبل وأمه خديجة بنت مسلم بن الفالي بن محمذٍ بن الفغ اعمر وقد  نشأ ابن حنبل في كنف والدته وخالته التي رعته بعد رحيل والدته، وكانت أمه الثانية ومربيته الفاضلة، وأم أخوته كذلك.
وقد بدأت رحلة الشيخ ابن حنبل في محيطه القبلي الذي كان حافلا بالعلماء والمحاظر  والتقاليد العلمية، ممها سهل عليه النهل من بحار علم زاخرة، ويبدو أن الرجل – على ما توفر له من مصادر معرفية متنوعة- كان واعيا بأهمية الزمن مسابقا للأيام محتكرا ضوء النهار للطلب وسدف الليل للتكرار والمذاكرة سائرا في أفق همة عالية، إذا بدا مضى علم منها بدا علم، وعن ذلك يعبر بيته السائر:
وإن سلبت شَعوب غدا شبابي    فقد أعجلت عن همم عظام
ومن أشهر من أخذ عنهم ابن حنبل العالم اللغوي الشهير بلا بن الفاضل الشقروي المتوفى سنة 1274ه. وعليه درس ألفية ابن مالك وغيرها من النصوص وفي شيخه بلا يقول ابن حنبل
ألا زار هذا البيت أيمن زائر = وصار به وكرا لأيمن طائر
بنيناه أعوادا قصار كأنه = مشيدة أركانه بالجواهر
ألم بنا من لا يلم ببلدة = من الأرض إلا جللت بالمواطر
ومن إن رمى الإشكال بالرين دفترا = جلا الرين عما في بطون الدفاتر
أرجي من الله المراد بحبه = وأن أقتني علم الشيوخ الأكابر

ثم انتقل بعد ذلك إلى العالم الشيخ محمدو بن احظان الملقب ديده، وعليه درس معارف واسعة في فنون محظرية متعددة.
وقد كان الشيخ محمد بن حنبل أثيرا عند شيخه محمدو بن احظانا وهو ما حمل محمذن بن حبيب الله بن المعلى على أن يعتب على شيخه، وذلك حين أغير على إبل آل احظانا وتلاميذهم فجعل محمد ابن احظانا لابن حنبل حظا من اللبن اختصه به عن أحد رفاقه فقال الرفيق 
ألا أبلغ معطرة الجيوب....كأمثال السجية من حبيب
 إمام العصر بورك من إمام....أديب العصر بورك من أديب
بأن الود مسرحه رحاب.....وكم للضغن من أمد رحيب
فما هاج الضغائن من حبيب
كإيثار الحبيب على الحبيب
فأجابه بقوله:
حبيبي لست أوثر من حبيب....وما شأني مضاغنة الحبيب
 على أني أخس الناس صنعا...وما أنا بالأديب ولا الأريب
 وإن ظهرت معائبه، عليها.....أجر السابغات من الجيوب
 ومن طلب الحبيب بلا عيوب يعش طول الزمان بلا حبيب
وقد كان الشيخ ديده حفيا بطلابه وفي ذلك يقول لابن حنبل وزميله:
خليلي كيف الحال والحال تنبئ
عن السر مهما السر في الصدر يخبأ
لئن نسأت عنكم ظواهر ودنا
ففي القلب  ود راسخ ليس يخبأ
وقد أقام ابن حنبل في هذه المحظرة فترة طويلة درس فيها الفقه ودواوين متعددة من الأدب الجاهلي والشعر الإسلامي، ثم غادر بعد ذلك إلى محظرتي الصفراء والكحلاء في لبراكنة، ودرس فيها عدة سنواتـ ويرجح أن تكون هذه الفترة هي غيبته الشهيرة التي تحدث عنها عدد من المؤرخين، ومنهم أحمد بن الأمين الشنقيطي صاحب الوسيط، الذي يذكرأن  ابن حنبل تغرب سبع سنين في طلب اللغة العربية، والأثير عند محيطه أنه غاب تلك الفترة دون أن يعرف الناس على وجه التحديد أين كان وعلى من درس، غير أن المجمع عليه أنها كانت رحلة في طلب العلم وصفحة من كتاب همته العالية، وقد سجلت قصائده بعض أشواقه إلى أرضه وأهله ومنها:
يا ليت شعري وصرف الدهر دوار....وكل شيء له حد ومقدار
 هل تلهيني شباب من بني حسن  بيض الوجوه كرام الأصل أخيار
ولم يكن الشوق ليفل عزمه ولا ليضعف همته، رغم ما لاقى من صعوبة الظروف التي واجهها بصبر وعزيمة لا تلين
لعمري لنومي في رماد مدارس
تخش خشاش الأرض تحتي كهالك
أحب لنفسي من عناق خريدة
تقر بها العينان فوف الأرائك
وبعد أن شهدت لابن حنبل العلماء بالتصدر وبالموسوعية، عاد إلى أهله وقريته وأسس محظرته العامرة التي قيل إنها لم تنقص في يوم من الأيام عن أربعين عريشا مفعمة بالطلاب، ووصل بها الأمر أن كانت ألواح التلاميذ متفرقة تجمع نص مختصر خليل كله.
وقد عرف المؤرخون لهذه المحظرة مكانتها وفضلها فنجد الدكتور جمال ولد الحسن متحدثا عن ابن حنبل قائلا" وقد أسس مدرسة جليلة الشأن درس  فيها علوم القرآن تفسيرا وقراءات ودواوين الستة الجاهليين وغيلان، والفقه المالكي" 
ويقول أحمد الأمين الشنقيطي في كتابه (الوسيط): "كان مولعا بالعلم منكبا على طلبه في أول أمره، فلما حصل عليه اشتغل بتعليمه للناس، وكان يحضهم في أشعاره عليه".
أما العلامة الحافظ محمدن بن احويبلل فيقول: "... لأن آل ألفغ أعمر أشياخ بني أعمر أكداش كُلاًّ؛ لأن الشيخ ابن حنبل أوصل إلينا هذا الدين رحمه الله ورحم والدينا" 
تلاميذه ومؤلفاته
درست على الشيخ محمدو بن حنبل أجيال من العلماء ولا يمكن الحديث عن أسانيد العلم في منطقته دون المرور عليه، ومن مشاهير من درس عليه: 

العلامة المختار السالم بن بوعبدي

العلامة امبيريك ولد ميلود وقد شرح قصيدة شيخه الرملية

العلامة المدرس محمدو بن بنيامين

العلامة الشاعر المختار بن المعلى

الشيخ المدرس عبد الله بن حمين

الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيديا

الشيخ عبد الله بن محمد بن الزرقاني الذي درس عليه اللغة وأشعار العرب تسع سنين متواصلة

العلامة القاضي عبد الله السالم بن أحميدي

العلامة اللغوي الجليل محمد محمود بن يداده

علاقاته مع علماء عصره
ارتبط الشيخ محمدو بن حنبل بعلاقات ثقافية مع مختلف علماء عصره، وزيادة على علاقته الوطيدة بالشيخ سيديا الكبير الذي أخذ عليه ورد القادرية وصحبه سنوات، ودرس عددا كبيرا من تلاميذه، فقد كانت له علاقات علمية مع عدد كبير من العلماء الآخرين ومنهم على سبيل المثال:

العلامة القاضي عبد الله بن محمذن بن محمودا الحسني، وقد كانت بينه وبين الشيخ محمدو بن حنبل علاقة ود خاصة، ومراسلات علمية، وقل أن يلتقي أحدهما الآخر إلا ألغز له في علوم القرآن ومن ذلك قوله:

ما سالم الجمع قدما فيه معروف  مؤنث ألف التانيث مصروف
ولا يثنى وحتم خفض عامله = وجمعهم فيه ذو التكسير مألوف
فأجابه عبد الله بقوله:
يا من عليه التقى والمجد موقوف = ومن له العلم بين الناس معروف
خبأت في لغزك الدنيا وفرقتها = وأن عاملها بالذل موقوف
وعاصر العالم الجليل "ببها ابن العاقل" وقد جرت بينهما  مساجلات في ألغاز القرآن الكريم، حيث وصلت ابن حنبل من القاضي ببها أسئلة جاء فيها
أيا محكِم التصريف والنحو عجل = = جوابا لأشيا في الكتاب المنزل
فما علتا “سيناء” في منع صرفها = = ووزن “ضئاء” في قراءة قنبل
وشكل لحرف جاء في الذكر مبتدا = = بذا أعربته الملح في كل محفل
وما مبتدا قد جاء ذو الفيد بعده = = ولا فصل يلفى في الكتاب المنزل
ولم يسند الثاني إلى الأل منهما = = فعجل جوابا لي ولكن تأمل.
فأجابه ابن حنبل بقوله
أملتمسا رجع الجواب المعجل = = بعجمة وضع منع “سيناء” علل
وعجمة تعريف بزيد وإن تقل = = سُما بقعة فالأمر حينئذ جلي..
تعارض “قلب” في قراءة قنبل = = وشدة إبدال فالأول فضل
إذ القلب أولى للشيوع وإنه = = تبوأ في المهموز أكرم منزل
ضع العين منه موضع اللام واكسها = = بلام الدعا شبها فبالهمز أبدل
وزنه “فلاع”. وابتدأ باسم سورة = = على شكل حرف الخط للمصحف الجلي
ومما سيتلى قدمن خبرا له = = وذاك أخير ختم لغزك واسأل..
وقد فوجئ القاضي ببها برد ابن حنبل على أبياته التي كان أرسلها أصلا إلى العلامة البراء بن بكي، وقد حولها ابن بكي إلى ابن حنبل، وفي مرحلة لاحقة، سيوسع القاضي ببها قصيدته الملغزة ويختمها بقوله
ولو رامها غير الإمام ابن حنبل
ومن كابن إحداها الإمام ابن حنبل
رمته إلى أرجاء زيزاء مجهل
بأغفالها أرجاء زيزاء مجهل
وقد رد على تلك النسخة الملغزة  العالم القاضي عبد الله بن محمذن بن محمودا، ووقع في ختام جوابه
أتاك بها من حيث يخفى مكانها
على رافع غير الإمام ابن حنبل
وقد عاد ابن حنبل مرة أخرى فأرسل لامية ملغزة لم يفك كل قناعها لحد الآن ومطلعها
سلام كما مزن بصهباء سلسل = إلى علم الأعلام ذي المنصب العلي
أجب عن أمور في الكتاب قد اشكلت = فأنت اسمك الكشاف عن كل مشكل
فدونكها عوصاء ترمي ذوي النهى بجلمود صخر حطه السيل من عل
متى يرقها حاشاك راق تزله  كما زلت الصفراء  بالمتنزل
وكما عاش ابن حنبل بين المصاحف والمحابر وبين العلم طلبا وبذلا فقد توفي كذلك، حيث قضى نحبه: ذي الحجة سنة 1303هـ. الموافق اكتوبر 1886م. عن ثلاث وستين سنة، ودفن في مقبرة (شبك) حيث دفن والده وقد استجيبت دعوته التي دعا الله بها في قوله:
وبالأنبيا والمرسلين توفني=على ملة الإسلام أثناء سجدتي
حيث توفي وهو ساجد، وكان قد كتب الأبيات التالية في كتابه (تسهيل الوصول إلى ما جاء في الذكر من نبي ورسول بعد أن استطرد الأحاديث الواردة وأقوال المفسرين في تفسير قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ...} 
يقول : "وقد ذكر العبد الفقير المذنب هنا أبياتا قالها قبل مستعطفا بها أكرم الكرماء وأحلم الحلماء عند حلول هذا الخطب العظيم والهول الجسيم وهي:
إذا رسولك يا ربي توفانــــــي...فغسلوني ولفوني بأكفـــــــان
وكبروا أربعا من بينهن دعوا.....وغيبوا عنهم في الترب جثماني
وقام أعلمهم حولي ولقنني..وآب عني أحبابي وإخواني
يقول قائلهم لا بأس صاحبكم...قد صار ضيف كريم العفو منان
فأكرمن رب مثوى ضيفكم وحر  ضيف الكريم بإكرام وإحسان
كتبه ومؤلفاته
ـ ري الظمآن في تفسير القرآن، مخطوط
ـ الناموس في شرح خطبة القاموس، مخطوط
ـ تسهيل الوصول إلى ما ورد في الذكر من نبي ورسول، وقد طبع الجزء الأول منه
ـ ضرب الجنن والأسداد دون المشايخ والأوراد، 
ـ حلية الألباب (نظم للعقيدة السنوسية الوسطى) مخطوط
ـ تنبيه المغمور، وقد حققه القاضي محمد ابن عبد المجيد 
ـ نظم المقرب في النحو، 
ـ  شرح قصيدته: "جالبة المرغوب ودافعة المرهوب"  مخطوط 
ـ شرح مقصورته التي يعارض بها مقصورة أبي صفوان، مخطوط 

شرح لامية العجم مخطوط

ديوان شعر قيد التحقيق والإعداد للنشر يعمل عليه الأستاذ العلامة محمدن بن التال 

مكانته الأدبية
يعتبر الشيخ محمدو بن حنبل من أعظم وأهم شعراء موريتانيا، وقد ترك ديوانا حافلا بمختلف الأغراض، وبدا جليا أن الهم القيمي كان مسيطرا على الرجل سواء في قصائده التي يحض فيها على العلم أو في مدائحه أو مراثيه، ومن قصائده الذائعة الرملية: 
أضرم الهم سحيرا فالتهب
لمع برق بربيات الذهب
والتي يقول فيها:
فغني ذي الجهل فاعلم فتنة ... وافتقار الحبر تأسيس الرتب
فخذ النصح ولا تعبأ بمن ... بدل النصح فطاوعه تصب
أضيع الأشياء حكم بالغ ... بين صم ونداء لم يجب
ولو أرسلت عناني في مدى ... ما بدا لي من أساليب العرب
ومن الحث لأرباب النهى ... لقريت الأذن منها بالعجب
لكن الشعر انقضت أيامه ... لا ترى اليوم إليه منتدب
غير راو خافض مرفوعه ... ناصب مخفوضه أو ما انتصب
ونزوح الفهم عن ميزانه ... ليس يدري كاملا من مقتضب
ومن قصائده الذائعة بائيته في رثاء الشيخ سيديا الكبير
أرى الملة البيضاء جل مصابها
ففاضت مئاقيها وطال انتحابها
وقاست بفقد الشيخ وجد مصابة
بواحدها لما تولى شبابها
وضاق له عرض البسيطة والتقى
على أهلها ظفر الخطوب ونابها
وأظلم وجه الأرض حتى كأنما
تردّت مدادا غوطها وحدابها
وزلزل أقطار البلاد فأصبحت
شواهقها مهتزّة وهضابها
وقمصت السبع الطباق بزهرها
فما راع أهل الأرض إلا انقضابها
وزعزع آطام الهدى وحصونه
وقوض فسطاط العلى وقبابها
وغيض من الأيام ماء وجوهها
فلم يبق الا مرها وإبابها
فبعد كمال الدين ما نقع الصدى
رواء ولارمد الصحاب صحابها
ولا طاب مشمومٌ ولا راق منظر
ولا لذّ من غر الثنايا عذابها
ألا رب من يبكي الكمال بعبرة
حرام على غير الكمال انصبابها
وخود تلقت بالبنان دموعها
تشابه لونا دمعها وخضابها
ويسبقها طورا من الدمع سابقٌ
قد ابتل منه عقدها ونقابها
تخاطبني وهنا وفي الصدر غصّة
فلأياً بلأي ما يبين خطابها
تقول أبعد الشيخ تنعم عيشة
ويهنأ أرضا أن يثُجّ سحابها
أليس الذي أحيى به اللّه خلقه
ولولاه لم تحمل رؤوسا رقابها
ومن في حماه المسلمون كأنّهم
رغاثٌ من الأروى حمتها صعابها
ومن كان يرعانا بعين بصيرةٍ
سواءٌ علينا بعدها واقترابُها
وهل نحن الا كالدعاميص أعصفت
بها الريح هيفا حين نشّت ثغابها
فقلت لها والنفس تغلى ومقلتي
شبيهٌ بمنثور الجمان انسكابها
ثقى بإله لا يموت ورحمة
من اللّه مقصور عليها حجابها
وان شموس الدين تطلع خلفةً
سريعاً على مر العصور اعتقابها
وان السيول المكفهرات تنزوي
فعتقبها أخرى يعب عبابها
وكم روضة تخضرّ بعد اصفرارها
فتصبح مبثوثا عليها رضابها
ونحن بني الاسلام أبناء ملة
قد أصبح محروس الجناب جنابها
فهذا بحمد اللّه منه خليفةٌ
به انزاح عنها بثّها واغترابها
وماست به أغصانها ورياضها
فرجع لحنا طيرها وذبابها
ووافى بإحراز المؤمّل ركبها
وجاءت بألوان النجاح ركابها
وأرست أواخيها وأرخت ستورها
والقت عصاها واستقر غرابها
وردت أنوف الشامتين رواغماً
عليها جميعا ذلها واكتئابها
ليهنأك ان قد قام بالأمر بعده
فتى هو بيت المكرمات وبابها
تضلع من علم الشريعة وانتهى
إليه من اسرار الطريق لبابها
أغر وسيم يغبط الشهد خلقه
على أنه طلق اليمين رحابها
له همة يهوى بها النسر واقعا
ويهبط من جو السماء ربابها
فتى ما نجت نجب المطى بمثله
ولا حملته بختها وعرابها
ولا نيطت الآمال إلّا بفضله
ولا فاض إلا من يديه ترابها
ولا ضاء وجه الأرض الا بوجهه
ولا طاب إلا من شذاه ترابها
علا فوق أعلام البرية رتبة
تقاصر عنها شيبها وشبابها
وأصبح محتلا من المجد سورةً
على كل ذي مجد قد أعيى طلابُها
له حضرة جابت به حلل السنا
فطابت به اكنافُها ورحابُها
ترى حولها المستضعفين أعِزّةً
كما كنّ آساداً ببيئة غابُها
وتلفى بها المستكبرين أذلّةً
كما ظلّ في أيدي الرعاء ذئابها
همت مزن جدواه ومزن علومه
بما شاء جهال الورى وسغابها
همت فكفى الجادين واكف جودها
واذهب لوح الواردين ذهابها
ويعتقب المدلون أعداد فضله
مدى الدهر لا يوذى الدلاء عقابُها
سقى اللّه أيام الخليفة طحمةً
من الرحمة الوسعى طموحا أبابها
ولا عطلت أزمانه بعد ما غدت
منوطاً عليها شنفها وسخابها
ولا عريت منه عصورٌ به ازدهت
وأسبغ من نور عليها ثيابُها
وتم له بالمصطفى كلّ مرتجىً
وآب مرجوه حميدا مئابها
عليه صلاة لا تغيب ورحمة
وفيضات تسليم مرب ربابها