عن الكفالة المدرسية .. / المفتش محمد سالم بن اعمر

عودة التغذية المدرسية، إنجاز معتبر ومكرمة ينبغي أن تتواصل وتتعزز، وقد كان للكفالات دور كبير جدا في تمكين مئات الأطر الأكفاء حاليا من مواصلة تعليمهم، أيام عسر الحال وسطوة الجفاف.

وقد كان السكن الداخلي للمدارس فرصة لإقامة مجتمع غير قبلي ولا جهوي ولا عرقي، فقد كان الطلاب يتناسون قبائلهم وألوانهم وجهاتهم، ويعيشون يومها في مجتمع طلابي محض، تتحكم فيه القضايا الطلابية والمطالب الوطنية، ومشاغل الدراسة.

بدأت فكرة الكفالات سريعا مع بداية التعليم العمومي في موريتانيا، وفي مختلف المؤسسات التعليمية الإبتدائية التي أقيمت مع بداية القرن المنصرم أو الثانوية التي بدأت تظهر مع بداية الخمسينيات وإلى اليوم.

يذكر المختار ولد داداه رحمه الله تلك العاملة التي كانت تخصه بشيئ قليل من الطعام؛ لأنه لم يكن سريعا في التحاوص مثل أغلب أقرانه، وفي معهد بوتلميت كان الطلاب يحصلون على منحة متكاملة تضم الملابس وتشمل شاة أضحية كذلك في الأعياد.

وفي مدينة العيون بدأت الكفالة في المدرسة الابتدائية بمخيم أقام فيه التلاميذ القادمون من مختلف أنحاء الولاية، قبل أن يتطور بعد ذلك إلى سكن ومطعم طلابي متميز، درس فيه الآلاف من خريجي تلك الثانوية التي تعتبر بجدارة جامعة الشرق ومنجم الأطر والكفاءات في مختلف التخصصات.

كان بعض الطلاب هنالك ينكتون على منزل أحد مديري المدرسة التي شيدها من حجارة العيون، بأنها تشبه وجبه فطور تلاميذ المدرسة، تمرة حمراء وقرص بسكويت أبيض.
في الثانوية الوطنية كان الحرمان من السكن الداخلي بما يتضمنه من تغذية من أشد العقوبات التي تمارسها إدارة الثانوية ضد طلاب الحركة الوطنية، الناشطين في الإضرابات وحراك المطالب الوطنية.

وذات مرة شكا طلاب مدرسة المحصر من رداءة الطعام المقدم لهم، فزارهم الأمير احبيب ولد أحمد سالم رحمه الله ولما نظر إلى الطعام قال لهم: والله يذا ما اكد حد إكظو، وكانت الزيارة يوم عيد وفتحا بالنسبة للطلاب حيث أرسل لهم الأمير بعد قليل هدية " انحيرة"
ويذكر التربوي الكبير لكبيد ولد حمديت أيام كان مديرا لإعدادية النعمة، يوم احتج الطلاب على غياب "الشروط" عن وجبة عشائهم، وأثاروا الفوضى في السكن قبل أن يتدخل الوالي المرحوم العقيد أحمد سالم ولد سيدي ويأمر بجلب الشروط الذي لم يكن يعرفه قبل ذلك.

وقد كان من أكبر الأخطاء التي ارتكبها المشرفون على التعليم مطلع الثمانينيات إلغاء الداخلية، حيث أهدى أحد وزراء التعليم كل ما كان يملكه السكن الداخلي من أدوات ووسائل وأسرة إلى الجيش مساهمة في تخفيف أعباء الحرب وفق رأيه، واستمر التعسير بعد ذلك
ولعقود طويلة كانت أموال الكفالة نهبة بين من قدر عليها، ومما يذكر أن المرحوم محمد ولد سيديا عندما استلم إدارة ثانوية لكوارب وجد في سكنها 15 أسرة تقيم في سكن الطلاب، وتعتمد في معاشها على مخصصاتهم من الكفالة، رغم أنها لا تستحق ذلك، فأخرجهم من السكن وأعاده إلى مستحقيه.

مع الأيام تلاشى السكن الداخلي، وأصبحت الكفالة المدرسية أثرا بعد عين، وفي حقائب المدرسين ومفتشي التعليم والعمد والمسؤولين، قصص مروعة عن ذلك الفساد الهائل الذي كان مسلطا على الكفالات، من تضخيم الفواتير إلى سرقة وبيع المقدرات الغذائية.

وما من شك أن عودة الكفالة المدرسية، وخصوصا في مناطق الخصاصة والفقر في الريف، ضرورة، ينبغي أن يشاد بها وأن تتعزز برقابة وصرامة، وأن تتوسع مع الزمن، تخفيفا على الأسر الفقيرة وعونا لها على تعليم أبنائها، وما أظن الساخرين من الصور المتداولة، يقدرون قيمة أن تعين أسرة على تخفيف أعبائها، وتطعم جائعا وتعين مسكينا على نوائب الدهر.