"سنيم".. قصة ذلك الجبل المتصدّع ( الجزء الأول ) / إعداد موقع الفكر

البدايات الأولى..

قليلون في هذا البلد هم الذين لم يسمعوا شيئا عن شركة سنيم ... هذا الاسم الذي يحمل معه صورتين ذهنيتين ...  صورة أطول قطار في العالم وصورة جبل "كدية اجّل"  الراسخ في أرض تيرس المثيرة للشجون... ولكن ذلك القطار الذي يزعمون أنه أطول قطار في العالم ومعه ذلك الجبل الذي يمده في كل صباح بمادة الحياة يخفيان وراءهما تاريخا يمتد من ثلاثينيات القرن الماضي إلى يوم الناس هذا...

ظلت قوافل الموريتانيين الأوائل تجوب صحراء تيرس في كل الاتجاهات بحثا عن شيء ما... يعرفون أنه موجود ولكنهم لا يجدونه... كانت "السبخة" التي تختزن مادة الملح الثمينة جزءا من ذلك الشيء وقد عثروا عليها بالفعل ولعلهم حسبوها كلّ ما تختزنه صحراء تيرس ولذلك ظلوا يترددون عليها متجاهلين ما حولها يتزودون من "ملحها" الطيب ويبيعون في الحواضر التي كانت أسواقا عالمية مفتوحة في ذلك الزمان...

ولعل قوافل الملح تلك مرت مرارا وتكرارا على جبل "كدية اجّل" الصامت مستظلة بكهوفه ومتزودة من ماء عينه العذب -الذي صار عندهم مضرب مثل (ابرد من تازاديت)- دون أن تعرف شيئا عن كنوزه... فلا هو حدث عن نفسه ولا هم كلفوا أنفسهم عناء استنطاقه...

 وهكذا ظلت سبخة الملح مزهوة بصخب قوافلها التي لا تنقطع بينما جبل "كدية اجّل" مصر على الاسمرار في صمته وإخفاء كنزه في عناد مع "السبخة" العامرة ... ولعل صمته وعناده كان بسبب قناعته بأن هؤلاء البدو في أطمارهم لن يستطيعوا استنطاقه ولا فهم مقالته إذا نطق...

بقي جبل "كدية اجّل" إذن عنيدا في صمته إلى أن حلّ عليه ضيوف ثقلاء على غير عادته مع أصحاب قوافل الملح الذين إذا تحدثوا أوجزوا وإذا نزلوا لم يطيلوا المكث... كان ذلك سنة 1935 حيث تمكن فريق من الجيولوجيين الفرنسيين من اكتشاف مؤشرات خامات الحديد المختفية في أحشاء جبل "كدية اجّل" وهكذا بدأت الدراسات المتعلقة بهذا الاكتشاف لتتأكد إمكانية استغلال هذه الخامات ولهذا الهدف وفي عام 1951م تم تأسيس شركة حديد موريتانيا (ميفارما) لتبدأ عملها بإكمال الدراسات التنفيذية ثم البحث عن التمويلات اللازمة.

وبدأت الأشغال في سنة 1960م حيث وضعت السكة الحديدية وغيرها من البنى التحتية اللازمة لمناولة ونقل خامات حديد موريتانيا من طرف ذائعة الذكر "ميفرما" ليشهد يوم 12 من إبريل من سنة 1963م انطلاق أول قطار متوجه إلى انواذيبو حاملا أول شحنة من خامات الحديد سيتم شحنها يوم 27 من إبريل وتسويقها لاحقا في الأسواق العالمية.

ومع هذا القطار بدأت قصة "ميفرما" المليئة بذكريات  الموريتانيين التي تغلب عليها مشاعر الظلم والاضطهاد والتمييز والاستغلال البشع للبشر وللموارد أيضا.

من هذه الذكريات الحزينة ذكرى 29 مايو 1968م حيث تم إطلاق الرصاص الحي على عمال "ميفرما" المنتفضين ضد الظلم والاستغلال البشع الذي يجدون أنفسهم ضحية له منذ سنوات... في هذا اليوم وحسب المصادر الرسمية  تم استشهاد ثمانية أشخاص إلى جانب أربعة وعشرين جريحا جراح بعضهم بالغة الخطورة... وقد خلد أحد الشعراء (لعله أحمدو ولد عبد القادر) هذه الذكرى بالأبيات التالية:

مختار يا رجل البلاد مختار يا بدر السنين،

ماذا دهاك وأي شيء قلته للآثمــين،

نطق المدافع ضدنا في صالح المستعمرين...

 اسمع وقائع قصتي وافهم صراخ اليائسين

أنا شيخة من عالم الصحراء والأفق الحزين،

حيث الطبيعة فظة حيث المشاكل لا تلين،

قد كان لي ولد يسمى المصطفى نجل الدمين...

بالأمس بالأمس القريب قرأت عنه رسالتين،

إذ قيل إن رصاصة شقته بين المنكبين،

أسفي عليه وحسرتي وتوجعي عبر الأنين...

كان هذا الحدث الأليم مبعث شرارة انطلاق وتصاعد الأصوات المطالبة بتأميم "ميفرما" الشيء الذي تم بالفعل سنة 1974م حيث تسمت بالشركة الوطنية للصناعة والمناجم (سنيم) لتواصل عملها بأيد وطنية ظلت تسيطر رويدا إلى أن صارت طاغية..

ليس من الإنصاف الإيحاء بأن تجربة "ميفرما" كانت كلها سيئة فقد كانت لها جوانب إيجابية نذكر منها:

‏      جعل خامات حديد موريتانيا قابلة للاستغلال من خلال البنية التحتية التي شيدت.

‏      تكوين جيل من التقنيين والعمال المهنيين كان نواة صلبة لعملية "مرتنة" الوظائف في الشركة الوطنية للصناعة والمناجم...

‏      ترك إرث ثقافي مهني بالغ الأثر... فقد وضعت "ميفرما" قيم عمل صارمة جعلت البعض يقارن سنيم بالمؤسسة العسكرية لما تمثله من صرامة وانضباط وتفان في العمل.

يرجع الفضل إلى هذه القيم في استمرار سنيم كمؤسسة فريدة بين المؤسسات الوطنية وظلت كذلك إلى أن جاء ذلك اليوم الذي تعرضت قيمها للضرر البالغ لتصبح مؤسسة رخوة قد انفرط العقد الناظم لقيمها التي أضحت في الغالب حبرا على ورق وتلك قصة حزينة أخرى.

 

الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (سنيم) هي أكبر شركة في موريتانيا وهي المسؤولة عن أعمال استخراج خامات الحديد في مناجم ازويرات وهي شركة ذات رأس مال مختلط مقسم على النحو التالي:

‏      الجمهورية الإسلامية الموريتانية: 78.35%

‏      البنك الصناعي الكويتي: 7.17%

‏      الشركة العربية للتعدين: 5.66%

‏      الصندوق العراقي للتنمية الخارجية: 4.59%

‏      المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن/المغرب: 2.30%

‏      البنك الإسلامي للتنمية: 1.79%

‏      أسهم خاصة لموريتانيين: 0.14%

تعمل سنيم على استغلال فئتين من الخامات هما  الهيماتيت (أكسيد الحديد الثلاثي وهو خامات غنية: مناجم كدية اجّل ولمهودات) والمغناتيت (أكسيد الحديد الأسود وهو خامات فقيرة: كلب الغين والكلابة الأخرى)  وتوفر لزبائنها حصى غنية بشكل طبيعي (65% من الحديد) وخامات مركزة غنية جدا (66% من الحديد) ويتراوح إنتاج سنيم منذ نشأتها بين 10 و 13 مليون طن سنويا.

أهم المناجم المستغلة هي:

‏      مناجم كدية اجّل

‏      مناجم لمهودات

‏      مناجم كلب الغين

وتوجد احتياطات غير مستغلة من خامات الحديد تقدر بالمليارات من الأطنان في نقاط متفرقة في محيط مدينة أزويرات عاصمة الولاية.

تنفرد سنيم بامتلاك بنية تحتية تسمح بمعالجة ومناولة ونقل خامات الحديد:

‏      آليات للحفر والتنقيب

‏      مختبرات

‏      آليات ومعدات المناولة

‏      قطارات معدنية

‏      ميناء معدني

‏      محطات للتوليد الكهربائي

‏      مستشفيات

‏      مراكز تكوين مهني

‏      مدن للعمال

تتفرع عن الشركة الوطنية للصناعة والمناجم عدة شركات نشطة في مختلف المجالات:

‏      شركة أعمال في مجال الهندسة المدنية كالطرق والسدود وغيرها (ATT M)

‏      شركة مختصة في مجال السياحة والفنادق ( SOMASERT)

‏      شركة الأحجار والكرانيت لإنتاج صفائح تجميل الواجهات والتبليط(GMM)

‏      شركة الشحن والتفريغ بالموانئ واترانزيت (SAMA)

‏      شركة الأطلس للصناعة الميكانيكية (COMECA)

‏      شركة الجبس والبلاتر( SAMIAT)

‏      شركة لإنتاج الصلب (SAFA)

‏      هيئة للأعمال الخيرية (خرية سنيم)

لقد تم تأسيس هذه الفروع لتحقيق هدفين:

الأول: هو مساهمة سنيم في إنعاش الدورة الاقتصادية الوطنية في المجالات التي لم توجد فيها بعد مؤسسات نشطة.

الثاني: توسيع وتنويع أنشطة سنيم تحسبا للأزمات التي قد تحدث سواء تعلق الأمر بأسعار خامات الحديد المتقلبة أو تعلق بتراجع نوعية وكميات ما تنتجه سنيم من خامات.

لقد أنجزت سنيم حملات بحوث جيولوجية في مناطق عدة (تازيازت وإنشيري وآمساكا وآدرار وآفطوط) وعلى إثر ذلك تم العثور على مؤشرات مؤكدة لوجود مختلف المعادن الثمينة كالذهب والماس والنحاس وغيرها... وكان من المفترض أن تؤسس سنيم فروعا لاستغلال هذه المعادن بدل الذهاب إلى مجالات بعيدة كل البعد عن نشاط التعدين الذي تنشط فيه منذ عشرات السنين ولكن ذلك لم يحدث بل تم استغلال نتائج بحوث سنيم لاستجلاب شركات نهب خارجية تستنزف الموارد دون أن تكون لها مردودية تذكر (الذهب والنحاس مثلا).

 

منذ نشأة سنيم تعاقب على إدارتها العامة أربعة عشر مديرا عاما ونلاحظ أنه من سنة  1972 إلى سنة 2005 تم تعيين خمسة مديرين عامين (أي بمتوسط مدير لكل 6 سنوات تقريبا) بينما من سنة 2005 إلى سنة 2020 تم تعيين تسعة مديرين عامين(أي بمتوسط مدير لأقل من سنتين)... ما معنى أن يتعاقب على الإدارة العامة لشركة مثل سنيم تسعة مديرين خلال خمسة عشر سنة بعضهم لم يمض في موقعه إلا أشهرا معدودة؟... إنه مؤشر على تخبط وقصر نظر من بيدهم قرار التعيين على رأس هذه المؤسسة.

مظاهر التصدع:

المخضرمون الذين واكبوا سنيم منذ أيام ميفرما يعتقدون أن بدايات التصدع في شركة سنيم بدأت واستمرت خلال السنوات الخمسة عشرة الأخيرة -و هي سنوات عدم استقرار- دون أن يكون في ذلك زعم بأن كل ما كان قبل ذلك مثاليا.

المهتمون بشأن سنيم من عمالها ومن مختلف الدرجات والمستويات يجمعون على أن إشكاليات ومشاكل سنيم تتمحور حول النقاط التالية ويرون أنه كلما طال الوقت دون علاجها بشكل جاد وحاسم ستكون مآلات هذه المؤسسة العملاقة كارثية بالنسبة لوطن يرى فيها أحد رموز سيادته إضافة إلى كونها رافدا اقتصاديا لا يعوض.

لسنا بحاجة للتذكير بأن المصدر الأهم في أية مؤسسة هو عمالها وأطرها... وأن تقدم أية مؤسسة وازدهارها مرهون بمدى إخلاص هؤلاء لقيم مؤسستهم وبمدى وضوح رؤيتهم فيما يتعلق بما تنتظره من كل واحد منهم... ما تنتظره المؤسسة من عمالها يجب أن يكون حاضرا في ذهن كل عامل في كل دقيقة من دقائق وساعات العمل يوميا... العامل الذي يذهب إلى عمله كل صابح فارغ الذهن ثم يعود مساء دون أن ينجز شيئا ملموسا هو في الواقع عبء ثقيل على مؤسسته.

انهيار قيم العمل في سنيم:

انهيار مؤشرات أداء سنيم: مؤشرات الأداء يجب أن تكون محمية من كل تساهل أو تلاعب من قبل المسؤولين لأنها تعبر عن صورة المؤسسة في أعين الممولين والشركاء... ومن أهم تلك المؤشرات ما يتعلق بنوعية جودة خام الحديد المصدر وكذلك الكميات التي تحمّل على القطار من ازويرات إلى انواذيبو ومنها حالة جاهزية المعدات والآليات  ... هذه المؤشرات وغيرها لا يجب أن تكون مادة للتلاعب أو الجدل بين المسئولين بل يجب أن تكون المعلومات حولها دقيقة.

انهيار منظومة السلامة والأمان في مواقع العمل:

من المعروف في المؤسسات المستغلة للمناجم أن نسبة التعرض فيها للحوادث والكوارث مرتفعة جدا مقارنة مع المؤسسات الأخرى... وهذا ما يجعلها صارمة وحازمة فيما يخص تطبيق قواعد السلامة والأمان في أمكنة العمل... إن كمّ وفداحة الحوادث في السنوات الأخيرة يحتم على سنيم اتخاذ إجراءات عاجلة وحازمة فيما يخص الأمان من خلال إنشاء فرق أمنية ميدانية مختصة بالرقابة على سلوك العمال وإلزامهم من أعلى رتبة إلى أدناها بارتداء زي العمل الموحد وارتداء معدات الحماية العامة والالتزام بقواعد السلامة المتعارف عليها في المنشآت الصناعية.

انهيار الثقة:

لا بد من إصلاح ذات البين وإعادة الثقة بين أبناء المؤسسة بعضهم مع بعض من ناحية...  وبين المؤسسة وأبنائها من ناحية أخرى... فبدون الثقة لا يمكن توقع إلا مزيدا من الفوضى والتسيب والفساد... لا بد من تعزيز الثقة من خلال انتهاج سياسة جديدة في العلاقة  بين المؤسسة وعمالها أساسها الشراكة الحقيقية والنجاح المشترك... لا يمكن توقع أيّ نجاح في جوّ مليء بعدم الثقة وبالشكوك ... من تلك السياسة إعطاء الحقوق المستحقة لأصحابها... والتقيد بالنظم والمساطر عند الترقيات والتعيينات والشفافية التامة في كل ذلك.

عدم احترام نظم ومساطر العمل:

لا بد من إعادة الاعتبار للنظم والمساطر التي تحكم سير شؤون المؤسسة... فبذلك تستعيد المؤسسة ثقتها في نفسها وفي أبنائها وتستعيد أيضا ثقة شركائها فيها... في السنوات الماضية كتبت آلاف المساطر والنظم التي تضبط وتنظم الحياة في هذه المؤسسة لكنها أضحت  حبرا على ورق وصار كل شيء تقريبا خاضعا للمزاج والانطباع... الكثيرون في سنيم لا يتذكرون تلك النظم والمساطر إلا عندما يأتيهم خبر  "مفزع" عن تدقيق داخلي أو خارجي... يجب أن يتحول الالتزام الحرفي بالنظم والمساطر إلى ثقافة ومنهج حياة بغض النظر عن فزاعة التفتيشات والتدقيقات...

فوضوية في الهيكلة المرجعية للمؤسسة:

لا بد من تنظيف المؤسسة من الإدارات والقطاعات والدوائر والمصالح "الزوائد" غير المفيدة التي تم خلقها في لحظة تهور شخصي استجابة لرغبة في ترقية فلان أو علان... ما هكذا تتشكل الإدارات أو المصالح...!

في السنوات الأخيرة تضاعفت المصالح والقطاعات والإدارات دون سبب وجيه... يجب مراجعة الهيكلة الإدارية عموما بحيث تكون معبرة عن حاجة المؤسسة فقط... توجد طرق شتى لترقية من يستحق الترقية دوق اللجوء إلى خلق إدارة أو قطاع أو مصلحة بلا فائدة ودون ضرورة.

فساد سياسة الاكتتاب والاندماج:

لا بد من إعادة النظر في سياسة توظيف الأطر... قدرات الأطر المكتتبين في السنوات الأخيرة ضعيفة بشكل عام والسبب هو سرعة ترقيهم على سلم التوظيف الإداري... والنتيجة أن الواحد منهم يصبح مسؤولا بين عشية وضحاها دون أن تكون لديه المعرفة الكافية بالأشخاص الذين يديرهم ولا بالمهام التي يجب أن يقوم بها ولذا يجد نفسه بين خيارين: إما أن  يتصرف فيرتكب أخطاء فادحة أو يعتمد بشكل كامل على الذين يتبعون له في كل شيء فيتخذ القرارات تبعا لهم ويورد المواد على مزاجهم ويخرجها على مزاجهم إذ ليست لديه الدراية التامة بما يجب فعله... وفي المحصلة نجد أن مخازن المؤسسة عامرة بالقطع والمواد التي لا فائدة منها للمؤسسة بسبب خطإ فني أو بسبب أنها وردت دون حاجة حقيقية... وفي ذلك من الخسارة ما لا يخفى على أحد.

اختفاء التكوين المستمر للطواقم الفنية:

خلال السنوات يتم تنظيم دورات في مختلف المجالات من فنية تقنية وإدارية وغيرها لكن الاستفادة منها تكاد تكون معدومة بالنسبة للغالبية العظمى من العمال والأطر والسبب هو حاجز اللغة... الجيل الأكثر حضورا الآن في المؤسسة هو الجيل الذي درس باللغة العربية، وأكثرهم واصل بعد ذلك بلغات أخرى غير الفرنسية ثم عاد ليجد أن الفرنسية هي لغة العمل... لقد بذلوا جهدا كبيرا للتكيف مع حقيقة أن الفرنسية هي لغة العمل لكن استفادتهم مما يقدم عبر هذه اللغة من دورات تكاد تكون معدومة... من ناحية أخرى فإن جل المراجع الفنية متوفرة باللغة الإنكليزية وليس الفرنسية، مما يجعل الإصرار على جعل اللغة الفرنسية لغة عمل عبئا ثقيلا على المؤسسة فلا هي توفر المصادر والمراجع ولا العمال يعرفونها بالشكل الكافي.

تسييس سنيم:

لا بد من أخذ مسافة من السياسة حتى تبقى المؤسسة مهنية متخصصة قليلة التأثر بتقلبات السياسة واتجاهات رياحها وعواصفها وأمواجها... فقد أظهرت التجارب أن المؤسسة تكون أحسن حالا بعيدا عن تلك الأجواء شديدة التقلب...

لقد صار التهافت على تشكيل المبادرات خلال المناسبات السياسية مجالا للتنافس بين عمال وأطر المؤسسة وصار وسيلتهم لنيل الترقيات والإكراميات والعلاوات مما يستحقون ومما لا يستحقون مع أن السليم والصحيح هو أن المثابرة والجدية في العمل هي السبيل الأوحد لنيل ذلك.

عدم احترام التخصص:

عدم احترام التخصص من الأمور بالغة السوء في سنيم حيث إن التطبيق السائد منذ عقود هو تعيين أي شخص في أي مكان دون النظر إلى تخصصه حتى أصبحت مواقع الإنتاج -كمثال- تدار من طرف تقنيين ميكانيكيين وكهربائيين بدل المتخصصين في مجال التعدين واستغلال المناجم، والنتيجة أن حالة مواقع الاستغلال يرثى لها اليوم بل صارت خطرا على سلامة الأشخاص والآليات بالإضافة إلى نضوبها بسبب الاستغلال غير المنهجي (عبر العقلية الميكانيكية)

عدم احترام الدرجات العلمية (الشهادات):

ربما تكون سنيم المؤسسة الوحيدة عبر العالم التي لا تعطي قيمة -إلا على استحياء- للشهادات التي يحملها عمالها... في هذه المؤسسة لا يوجد تصنيف يتعلق بالشهادات التي يحملها العمال وإن وجد فإنه لا يطبق بل يتم التحايل عليه عبر محددات من قبيل "التجربة المكافئة"... قد تجد -مثلا- الذين تخرجوا من الإعدادية الفنية والذين درسوا في الجامعة سواسية على مقياس سنيم في التوظيف بل قد تجد من لديهم شهادات عالية في مواقع أدنى مقارنة بالذين يحملون شهادات أقل مع أنهم في الأقدمية سواء... بعض العمال يبذل مجهودا في الحصول على شهادات أعلى بموازاة العمل في سنيم وعندما يحصلون عليها لا يجدون أن سنيم ترتب على ذلك شيئا مذكورا.

الخلاصة هي أن كل إشكالات ومشاكل سنيم قابلة للحل... ويبدو أن حلها سيكون من خلال معالجة نقاط التصدع المشار إليها والتي يتمحور جلها حول إصلاح حالة الموارد البشرية من ناحية وحول التطبيق الصارم للنظم والمساطر من ناحية أخرى... وبعد ذلك سيتكفل عمال سنيم بحل المشاكل الفنية التقنية فأهل "مكة أدرى بشعابها" كما يقال في المثل، بالإضافة إلى ذلك سيكون من الجيد أن تترك الدولة سنيم تعمل بعيدا عن تقلبات السياسة وصراعات السياسيين وتدخلاتهم في سياستها خاصة فيما يتعلق بالتعيينات والترقيات في المصالح والقطاعات والإدارات... سيكون من المفيد لسنيم أن يركز مديرها العام على العمل الميداني المنتج وأن يقضي جل وقته بين العمال في المناجم بدل تضييع وقته الثمين في مؤتمرات وندوات وتظاهرات حزب الاتحاد من أجل الجمهورية.