نسائم الإشراق الحلقة رقم (1505) 26يناير 2021م 12جمادى الآخر 1442هـ الشيخ د. يوسف القرضاوي الحلقة رقم (533) زيارة أستراليا في صيف 1987م (تابع) طائرة الكاتي باسفيك إلى ملبورن

في الموعد المقرَّر ركبت الطائرة «الكاتي باسفيك» إلى ملبورن، ومدة الطيران (9) تسع ساعات، مضافة، إلى (14) السابقة، لتكون مدة هذه الرحلة (23) ثلاثًا وعشرين ساعة، وهي أطول رحلة شبه متصلة قمتُ بها في حياتي.
ولكن الطائرة في هذه المرة، كانت غاية في المتعة والروعة، وتوفير الراحة، ولا سيما ركاب الدرجة الأولى، الذين كانوا يدللونهم تدليلًا. فكانت الدرجة الأولى من طابقين، كنت في أعلاهما، وكانت كراسيها غاية في السعة من كل جانب، والإعانة على النوم لمن أراد، وعلى الكتابة لمن شاء، أما الطعام والشراب، فهما أنواع وألوان، فيها مجال للاختيار والانتقاء، ليطلب كل امرئ ما يشتهي.
فكانت هذه الرحلة المرتبة إلى أستراليا، تعويضًا عن تلك الرحلة القاسية من لندن. وكثيرًا ما تشجَّعني هذه الرحلات الطويلة على إخراج ورقي وقلمي من حقيبتي، لأبدأ الكتابة. إذ كيف أقضي تسع ساعات، إن لم أستعن فيها بالقلم؟ سأحاول ما استطعت أن أنام بعض الليل، ولكن عندي وقت يمكنني أن أستفيد منه للكتابة. وخصوصًا أني لست من الذين يشاهدون الأفلام التي تعرض في الطائرات. فما لي رغبة فيها، ولا صبر عليها.
الوصول إلى ملبورن وانعقاد المؤتمر:
وفي صباح اليوم التالي، وصلت إلى مدينة «ملبورن» في قارة أستراليا، التي أزورها لأول مرة. وكان الأخ أحمد توفيق ورفاقه في انتظاري، وقد حضر معظم المدعوين إلى المؤتمر، والباقون في طريق الوصول. وقد وجدت الجو في أستراليا على عكس الجو في بلادنا وفي أوربا، فقد كنا نحن في عزّ الصيف أو قل: في أواخره، وكانوا هم في عز الشتاء، أو قل في أواخره أيضًا، والجو بارد، والأمطار تهطل بغزارة. فنحن في الجانب الآخر من الأرض، صيفنا شتاؤهم، وشتاؤنا صيفهم. وفي هذا تبادل المصالح بين العباد. فكم تأتينا في قلب الشتاء فواكههم الصيفية، وكم تأتينا في وقت الصيف منتجاتهم الشتوية، ولله في خلقه شؤون.
وقد أقيم المؤتمر في ملبورن، ولم أعد أذكر موضوع المؤتمر، ولا الحضور فيه، وقد شارك فيه من مصر ومن أمريكا، ومن غيرهما. ولا أذكر إلا الأخ العالم القرآني اللغوي الداعية المعروف الدكتور عبد الصبور شاهين من مصر، والأخ العالم القرآني اللغوي الداعية الدكتور جمال بدوي من أمريكا. وكم سُررت بوجوده، لأني وجدته خير من يترجم عني إلى الإنجليزية، لقدرته الفائقة فيها، ولثقافته الإسلامية القوية، وتمرسه بالدعوة إلى الإسلام بين الأمريكان والكنديين. ولقد استمرّ المؤتمر ثلاثة أيام ثم انفض.