نسائم الإشراق الحلقة رقم (1508) 29يناير 2021م 15جمادى الآخر 1442هـ الشيخ د. يوسف القرضاوي الحلقة رقم (536) زيارة أستراليا في صيف 1987م (تابع) إلى مدينة «بيرث»

بعد أيام في سيدني، ذهبت إلى مدينة «بيرث»، وهي في الطرف الآخر من أستراليا، وقد استغرقت الرحلة -على ما أذكر- نحو خمس ساعات، وهي قريبة من حدود إندونيسيا، وفيها الأخ المسلم النشيط عبد الله مجر، وهو مصري يعيش هناك من زمن، وقد أنشأ مؤسسات ومدارس تعمل لحفظ أجيال المسلمين، وقد بقيت فيها عدة أيّام، ألقيت فيها عددًا من المحاضرات والدروس، وعقدت فيها بعض الاجتماعات وزرت فيها بعض المؤسسات.

الانشغال بهموم المسلمين ومشكلاتهم:

والمهم أني في خلال هذه الرحلة التي امتدت ما يقرب من أسبوعين، لم يتح لي فيها أن أزور حديقة من الحدائق، أو متحفًا من المتاحف، أو أشاهد مَعْلَمًا من المعالم التي يذهب الناس إليها زائرين، فقد كان وقتي مشغولًا بهموم المسلمين، ومشكلاتهم المتراكمة التي تحتاج إلى حلول، وأسئلتهم المجتمعة التي تحتاج إلى أجوبة، وحسب وقتي أن يتَّسع ليسهم ببعض هذه الأجوبة والحلول، وربما أجد في ذلك ما يعوضني عن كل نزهة أو فسحة يتطلع إليها الناس هنا وهناك.

إلى إندونيسيا:

كانت خطتي أن أعود من غير الطريق الذي ذهبت منه؛ لأمر على إندونيسيا، وخصوصًا أني قريب من حدودها.

وإندونيسيا لها حقٌّ علينا، باعتبارها أكبر بلد إسلامي، بعد انقسام باكستان إلى دولتين «إحداهما بنجلاديش»: وهي بلد مهدّد بالتنصير، من الإرساليات الغربية التي خططت لغزوه دينيًا والسيطرة عليه في ظرف خمسين سنة كما زعموا.

ركبت الطائرة من مدينة «بيرث» وذهبنا إلى «جاكرتا» مرورًا بجزيرة سياحية أظنها «بالي» التي وقعت فيها التفجيرات منذ سنوات، وقد توقفت فيها الطائرة، ولم ننزل إلى البلدة، ومنها استقللنا طائرتنا إلى العاصمة الإندونيسية جاكرتا. 

وكان الإخوة من أعوان الدكتور محمد ناصر وإخوانه في المجلس الأعلى للدعوة الإسلامية في انتظاري، وكان الدكتور ناصر مريضًا، وقد بلغ من الكبر عتيًّا، وثقل حمله من آثار الشيخوخة، ومن آثار المرض، ومن هموم الدعوة، وهموم الأمة، فلزم الفراش منذ مدة. 

وكان من الموكلين بمرافقتي شاب أزهري اسمه «م» المازني، فقلت له: المازني ... نسبة إلى قبيلة «مازن» المشهورة التي قال فيها الشاعر:   
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي     بنو اللقيطة من ذُهل بن شيبان
قال الحقيقة أن اسمي الأصلي «المُزني» ولكن بعض الإخوة العرب ممن زارونا، اقترح علي أن أغير اسمي من المزني إلى المازني!  قلت له: عد إلى اسمك الأصلي، فإن والدك حين سماك بهذا الاسم، كان يقصد «المُزني» صاحب الإمام الشافعي رضي الله عنهم.

والناس هنا حريصون على إحياء أسماء أئمة الشافعية، فهناك: الغزالي والرافعي والنووي وغيرهم، وأصبحت لا أناديه إلا بهذا الاسم «المُزني».