موريتانيا والإرهاب.. محطات دامية ونحاجات ضد عدوان مؤلم/ إعداد موقع الفكر

أعادت أحداث السجن المدني وما أعقبه من مواجهات دامية مكنت من تحييد الدرك الموريتاني لثلاثة عناصر خطرة إلى الأذهان تاريخا مؤلما من استهداف للأراضي الموريتانية، إضافة إلى مقاربات متعددة، انتهجتها موريتانيا وآلت في النهاية إلى تحييد الخطر الإرهابي لأكثر من عقد، فإلى أي حد استطاعت موريتانيا إبعاد شبح الإرهاب بالفعل، وهل ما زالت الجماعات المسلحة تنظر إلى موريتانيا باعتبارها عنصرا محايدا بين الدول التي تواجه الإرهاب، وهل يمكن القول إن عملية الهروب الأخيرة كانت إيذانا بوجود تنظيم جديد يحاول اختراق الأراضي الموريتانية، وتجنيد شباب موريتانيين.

لمغيطي.. أولى المواجهات الدامية

لم تكن لمغيطي أول عملية إرهابية داخل الحدود الموريتانية، فقد سبقتها اعتداءات متعددة سنة 2001، تعرض لها موظف أمريكي بمؤسسة الرؤية العالمية "وورد فيجن" حيث أصيبت ابنته في الاعتداء، وسلبه المتطرفون سيارة شخصية، وهنا بدأ  الأمن يبحث عن الخيوط، ويعيد رسم ملامح التشكيلات السلفية في موريتانيا

استعاد الأمن الموريتاني كثيرا من المعلومات والوثائق عن الشخصيات الموريتانية التي هاجرت إلى أفغانستان منتصف السبعينيات، كما وضع اليد بعد ذلك على سبعة أشخاص يعتقد أنهم النواة الأولى التي غادرت موريتانيا إلى معاقل القاعدة في الشمال المالي، حيث انتظموا في سلك الجماعة السلفية للدعوة والقتال.

مع خيوط الفجر الأولى يوم السبت 4/ يونيو/ 2005 دوى الرصاص في صفوف حامية لمغيطي وهم يستعدون لصلاة الفجر، كان دور أذان الفجر مشتتا لتركيز المهاجمين الذين أوهمتهم قيادتهم بأنهم يقاتلون الكفار، بعد مواجهات سريعة قتل 15 جنديا موريتانيا وأصيب 17 بجراح متفاوتة، واستولى المهاجمون على سيارات للوحدة، بعد أن أعدموا قائدها بالرصاص أمام جنوده.

لاحقا سيكشف أن العملية  كانت بقيادة خالد بلمختار الشهير ببلعور وأنه قد شارك فيها عدد من الموريتانيين من بينهم من اعتقل لاحقا ومن بينهم على التحديد محمد الرسول ولد اشبيه القتيل قبل أيام ضمن مجموعة  الفارين في بلدية المداح.

السواح الفرنسيون ..جريمة في خاصرة البلاد

  • في 24 دجمبر 2007 قرب مدينة ألاك اغتيل أربعة مواطنين فرنسيين من أسرة واحدة، وقد نفذ العملية شابان مورتيانيان هما محمد ولد شبرنو، وسيدي ولد سيدينا..،  وقد صدرت على المعنيين أحكام بالسجن، وفيما جنح ولد شبرنو لاحقا إلى الحوار فإن ولد سيدينا كان من أبرز الرافضين له، ووفق معلومات أمنية متعددة فقد صادرت السلطات الأمنية الموريتانية قبل سنتين مبالغ مالية كبيرة كانت موجهة من التنظيم الأم في مالي إلى ولد سيدينا الذي شكا لقادته من تخليهم عن السجناء الموريتانيين، وقد تمكنت السلطات الموريتانية لاحقا من رصد بعض مستويات التواصل بين بغض السجناء  موريتانيين وتنظيماتهم في الساحل.
  • 27 دجمبر 2007 وقعت سيارة استطلاع تابعة لثكنة الغلاوية قرب مدينة وادان في كمين للقاعدة نجم عنه استشهاد العسكريين الأربعة الموجودين في السيارة .

• منتصف مارس 2008  هوجم مقهى قرب سفارة الكيان الصهيوني في انواكشوط جرح فيه شخصان، وكان من بين المهاجمين الخديم ولد السمان

خلال يومي 6-7 إبريل 2008 بدأت مواجهات دامية بين مسلحين  وقوات الأمن الموريتاني، وقد استشهد خلال هذه العملية ضابط من الجيش الموريتاني وقتل أحد المهاجمين وهو المدعو موسى ولد أنديه، كما اعتقل الأمن بقية العناصر، واستطاع بعد أيام وضع اليد على عشرات المتهمين، المنضوين لاحقا تم تنظيم  تابع للقاعدة بقيادة السلفي الخديم ولد السمان، وبتبعية من عدد كبير من المتهمين

كان وضع اليد على هذا التنظيم بعد عملية أخرى  بالاستيلاء على سيارة تابعة للجمارك وسلبها عشرات الملايين من الأوقية كانت في طريقها للخزينة، وهي العملية التي مكنتهم  من اكتتاب عدد جديد من الشباب المتحمس، ومن توزيع مبالغ مالية على عدد منهم، واستطاع على وجه التحديد اكتتاب أحد أخطر العناصر الموريتانية وهو المدعو الطيب ولد سيدي عالي الذي قتل لاحقا في مالي.

 

في 9 سبتبمر 2008 وقعت وحدة من الجيش الموريتاني في كمين قرب تورين استشهد فيه 11 جنديا موريتانيا صائمين في غرة شهر رمضان المحرم ومثل بجثثهم. من بين الشهداء قائد الوحدة النقيب أج و لد عابدين.

في نفس الأيام تقريبا من السنة الموالية  2009 استهدفت السفارة الفرنسية في انواكشوط بتفجير . مات منفذه و أصيبت سيدة موريتانية بجروح

في نوفمبر 2009 خطف ثلاثة مواطنين إسبان على طريق نواكشوط – نواذيبو و تم اقتيادهم إلى قواعد التنظيم، حيث تولى خطفهم المدعو عمر الصحراوي، والذي تمكنت موريتانيا لاحقا من خطفه ونقله إلى نواكشوط، حيث أفرج عنه بعد ذلك ضمن مبادلة للمعتقلين

في 25/ أغسطس 2010: حاول  ادريس ولد محمد الأمين تفجير الكتيبة العسكرية في النعمة، وقد أدت المحاولة إلى مقتله وحده دون أية إصابات في الكتيبة، وينحدر ادريس من مقاطعة كيفة، وهو أحد النشطاء الإرهابيين الذين عملوا على تجنيد عدد كبير من الشباب الموريتاني خلال الخمسية الأولى من القرن الحالي

  • عملية نواكشوط 2010: تعتبر هذه العملية الأوسع والأخطر في تاريخ علاقة موريتانيا بالإرهابيين، حيث خرجت كتيبة من المسلحين  واستطاعت عبور الأراضي الموريتانية من مدينة عدل بكرو وحتى منطقة الركيز، حيث تعطلت إحدى السيارات، فيما توجهت الأخرى إلى  نواكشوط، أما الثالثة فقد توجهت إلى منطقة شمامة، وقد كانت إحدى السيارات محملة بكمية كبيرة من الديناميت كافية لنسف كلم في كل الاتجاهات، قيل حينها إن  هدفها هو اغتيال الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.

وقد تمكنت وحدة من الجيش الموريتاني من تدمير السيارة المذكورة، محدثا انفجارا سمع دويه على مسافة 50 كلم، فيما تم قتل العناصر الأخرى المهاجمة في منطقة البزول في شمامة، وقبض على عدد من المشاركين فيها ومن بينهم  السالك ولد الشيخ الذي سلم نفسه للدرك الموريتاني بعد نفاد ذخيرته.

وإلى جانب هذه العمليات نفذ التنظيم في 21/12/2012 عملية اختطاف الدركي اعل ولد المختار من ثكنة الدرك في مدينة عدل بكرو، قبل أن يفرج عنه بعد ذلك في عملية مفاوضات شاقة بين موريتانيا والقاعدة.

وإلى جانب هذه العمليات استطاعت نواكشوط تنفيذ عمليات قوية ضد تنظيم القاعدة، خصوصا في منطقة حاسي سيدي في أزواد، وكذا غابة واغادو، حيث استطاع الطيران الموريتاني وبإسناد فرنسي قتل عدد كبير من الإرهابيين وإحراق مخابئهم في الغابة الكثيفة التي طالما صنعوا منها مخابئ آمنة، وتتباين الروايات في هذا المجال حيث تدعي القاعدة أنها قتلت 19 جنديا موريتانيا في معركة حاسي سيدي، فيما تقول الرواية الموريتانية الرسمية أن شهداء الجيش الموريتاني كانوا خمسة لا أكثر وأن قتلى القاعدة تجاوزوا 12 شخصا

في 22 يوليو استطاعت عملية موريتانية فرنسية مشتركة قتل 7 عناصر من القاعدة في سعي لتحرير المختطف ميشال جيرمانو، وقد ردت القاعدة بعد ثلاثة أيام بإعلانها قتل جيرمانو.

لقد مكنت هذه العمليات مع غيرها  السلطة الموريتانية من تحقيق نجاحات معتبرة من أبرزها:

  • وضع اليد على مختلف التنظيمات والخلايا النائمة والنشطة في البلاد
  • قتل عدد كبير من الإرهابيين وقطع خطوط اتصالهم داخل البلاد
  • وضع اليد على كم كبير من المعلومات التي مكن استغلالها من بناء المقاربة الموريتانية لمواجهة الإرهاب.
  • إعادة التغلغل في المجتمعات المحلية في آزواد، والتي تمثل امتدادا طبيعيا لموريتانيا كما يمثل بعضها حاضنة اجتماعية للتنظيمات الإرهابية.
  • الاستفادة من علاقة موريتانيا بالجماعات الأزوادية واحتضان بعضها في إقامة شبه خط اتصال مع التنيظيمات المسلحة مكن موريتانيا من إقامة تهدئة أو متاركة غير معلنة، وهكذا استقطبت نواكشوط عددا كبيرا من الشخصيات الأزوادية التي أقامت في موريتانيا خلال سنوات.
  • تحديد مستويات الخطر التي تواجهها البلاد وآفاق التعامل مع هذه الوضعية المؤلمة.
  • تحييد شبح الإرهاب عن موريتانيا مما مكن من إخراج البلاد من دائرة اللهب المشتعل، مما فتح الباب أمام هدنة لا يعترف بها أي من الطرفين، رغم أنها أصبحت حدثا معيشا وواقعا فعليا.
  • فقد تحدثت  مصادر إعلامية متطابقة عن هدنة مع القاعدة أو مبلغ مالي يتراوح  بين العشرة والعشرين مليون يور تدفع للقاعدة مقابل عدم استهداف التراب الموريتاني، وقيل حينها إن مسؤولين أمريكيين اطلعوا على هذه الوثيقة التي يعود توقيعها في العام 2010، حيث عثر عليها من بين عدة وثائق في عملية استهداف زعيم القاعدة أسامة بن لادن.
  • إعادة بناء المؤسسة العسكرية والأمنية ورفع جاهزيتها القتالية والاستعلامية، وحوافزها المادية  وهو ما رفع من ثقة الجنود في مؤسستهم العسكرية ومن مصداقيتها لدى الرأي العام
  • إقامة حوار فكري مع المعتقلين مكن من تراجع عدد كبير منهم وعودتهم إلى المجتمع وإعلانهم الخروج من فكر العنف، فيما أصر آخرون على الولاء لتلك لتنظيمات

الحصيلة والمآلات المتوقعة

يمكن القول إن حصيلة الإرهاب في موريتانيا كانت مؤلمة وأن عدد القتلى من الجنود والأمن الموريتانين يتجاوز 60 شهيدا خلال أكثر من عقد ونصف، إضافة إلى تضييع فرص اقتصادية متعددة، خصوصا في قطاع السياحة التي تعثر لسنوات قبل أن يستعيد عافيته خلال السنوات الثلاث المنصرمة.

ومن بين المآلات المتوقعة لملف الإرهاب في المنطقة:

  • تعزيز المقاربة الأمنية وتوسيع دائرة المتاركة بين موريتانيا وهذه التنظيمات  ويسند هذا الطرح إصرار موريتانيا على عدم القتال خارج حدودها، وعلى تمييزها بين الإرهاب والسلفية، ويمثل هذا الخيار الاستيراتيجية الأولى والأهم بالنسبة لموريتانيا.
  • تدرك موريتانيا أن لامصلحة لها ولاجمل في صراع صفري مع هذه الجماعات، والمرجح أنها لن تنجرف في المواجهة، بل هي مدركة أن كل موريتاني ينجرف في هذا التيار هو خسارة لها، لذلك ستبقي خط الرجعة أمام الجميع ممن لم تتلطخ ايديهم بالدماء الموريتانية، وستحاصر الفكر الضيق براحبة وسعة الاسلام.
  • من المؤكد أنها ستراجع واقع السجن المدني وغيره من السجون التي لم تكن تؤدي ماهو مطلوب منها.
  • مآل المواجهة مع التنظيمات الجديدة في المنطقة وخصوصا تنظيم داعش وحركة ماسينا التي بدأت تتحرك في الحدود الموريتانية المالية، كما بدأ خطابها يستقطب بعض المحسوبين عليها اجتماعيا من سكان قرى الفولان على الحدود بين موريتانيا ومالي.

وللأسف تبدو مؤشرات متعددة على هذا المسار، خصوصا في ظل المتغيرات الجديدة في المنطقة مع انسحاب القوات الفرنسية، والتي يتهمها البعض بدعم بعض هذه الجماعات ضد الجميع،  ينضاف لذلك تمدد عمليات مجموعة فاغنير الروسية، التي تتوسع في المنطقة،  مما يجعل موريتانيا ملزمة برفع مستوى الجاهزية والتصدي للخطر الذي بدأ يقرع الأبواب.