الدكتور زكريا بن أعمر في مقابلة مع موقع الفكر: التعليم في موريتانيا يعاني اختلالات هيكلية منذ عقود

متابعي موقع الفكر الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا بكم في هذه المقابلة المهمة التي نتناول فيها واقع التعليم في موريتانيا وأبرز التحديات والإشكالات التي تقف حجر عثرة في طريق نجاحه مع الأستاذ الدكتور زكريا بن أعمر مدير التعليم العالي سابقا.

نص المقابلة:

موقع الفكر: ما هي الإشكالات الرئيسة التي يعاني منها التعليم في موريتانيا؟

الدكتور زكريا : قطاع التعليم يعاني من اختلالات هيكلية، بنيوية و مالية تراكمت منذ إصلاح ١٩٧٩ غير المدروس.

من أهم المشاكل التي يتخبط فيها القطاع:

- عدم الاستقرار في هيكلة الحكومة حيث يقسم تارة إلى ثلاث وزارات و تارة أخرى إلى وزارتين ثم يوجد في بعض الأحيان.

- سوء تسيير المصادر البشرية مما أدى إلى مشكلة "قيادة" (Pilotage) على المستويين المركزي (الوزارة) و اللامركزي( الإدارات الجهوية )

- انعدام خارطة مدرسية مما يؤدي إلى إنشاء كم هائل من المدارس التي لا تتمتع بالحد الأدنى من الوسائل المادية، البشرية و حتى البنيوية.

- اختلال كبير في البرامج و عدم ملاءمتها مع المرحلة.

- سياسة غير عقلانية لتكوين المدرسين و انعدام استراتيجية للتكوين المستمر.

- انعدام نظام شفاف لتحفيز الكادر البشري و الاستحقار بالمطالب المشروعة للمدرسين.

- ضعف نظام التفتيش البداغوجي و الإداري مما يؤثر سلبا على أداء المدرسين و المشرفين و الإداريين و الفوضوية العارمة في التعليم الخاص.

- اختلالات جمة في نظام الامتحانات الوطنية مما يضعف مصداقيتها

- عدم الاستفادة من تقنيات الإعلام و الاتصال لتحسين العملية التربوية

- في ما يخص التعليم العالي: التراجع الواضح في السنوات الأخيرة بعد تراجع الوزارة عن المكتسبات التي تم الحصول عليها في ما يخص قيادة المؤسسات و النظام التربوي و إصلاح تسيير المنح؛ الإنشاء العشوائي للعديد من المؤسسات بدون جدوى؛ ضعف تأقلم التكوين مع سوق العمل.

موقع الفكر:  ما تشخيصك لواقع التعليم؟

 الدكتور زكريا: الوضع مزري و لا يتحمل الانتظار، القطاع بحاجة إلى إصلاح حقيقي مدروس و ضخ كفاءات موجودة في الداخل و الخارج لانتشاله من هذه الوضعية التي لا يحسد عليها.

موقع الفكر: هل في المناهج أم في ضعف البنية التحتية أم في الكادر البشري؟

الدكتور زكريا: كما قلت في السؤال الأول في كل هذا و أكثر. لكن الأخطر هو عدم وجود رؤية مبنية على تشخيص حقيقي و إرادة سياسية صادقة لتنفيذ إستراتيجية مبنية على تلك الرؤية. و تبقى "قيادة" القطاع و جودة و كفاءة المصادر البشرية شروط أساسية لأي إصلاح.

موقع الفكر: لوحظ ضعف في نصيب التعليم من الموازنة العامة للدولة هل السبب في ضعف الإنفاق على التعليم؟

الدكتور زكريا: فعلا، هو من الأسباب إلا أن سوء تسيير الموارد الموجودة و عدم الشفافية لها أثر كبير مع ضعف الإنفاق.

موقع الفكر: التعليم العمومي في حالة يرثى لها هل الحل في إلغاء التعليم الخصوصي؟

الدكتور زكريا: لا و كلا. التعليم الخاص مكمل للتعليم العام وإذا كان الأخير جيدا تراجعت أعداد المنتسبين للأول ومدارس الامتياز خير مثال على ذلك.

استقطاب الأهالي للتعليم الخاص رغم نواقصه راجع إلى اندثار التعليم العمومي.

موقع الفكر: بدأت الدولة سياسة جعل التعليم الابتدائي عموميا ..ما أهمية مثل هذه الخطوة وهل ستطبق فعليا وما الذي ستضيفه لواقع التعليم الأساسي؟

الدكتور زكريا: إذا نظرنا إلى أعداد التلاميذ و البنية التحتية الموجودة فهذه الخطة غير قابلة للتنفيذ عمليا و هي أصلا إن طبقت لن يكون لها إلا أثر محدود إذا لم تعالج جذريا الاختلالات المذكورة آنفا.

موقع الفكر: ضعف رواتب المدرسين والأساتذة دفع بالعديد من هؤلاء إلى القطاع الخاص كيف تتصورون نظاما ناجحا وعادلا للرواتب في ضوء إمكانيات الدولة المالية وحجم موظفي التعليم؟

الدكتور زكريا: هذه قضية جوهرية. أولا من غير اللائق أن تدفع الدولة رواتب مدرسي المدارس الخاصة. لا بد من إجراء إصلاحات واسعة تضم حل هذه القضية و تصفية المدرسين "المفرغين" مما سيمكن من تحسين ظروف المدرسين في انتظار الموارد الكبيرة التي ستحصل عليها الدولة من استغلال الغاز و الذهب.

موقع الفكر: طرح البعض تأثير الإصلاحات التربوية في خلق أزمة تربوية ومجتمعية بسبب تكريس الفرنسية لغة تدريس عمليا هل هنالك علاقة بين فساد التعليم وإصلاح 99؟

الدكتور زكريا: رغم أن فكرة الإصلاح كانت جيدة إلا أن تنفيذه كان كارثيا مما ساهم في فساد التعليم خاصة في انعدام استراتيجية لضخ العدد الكافي من مدرسي اللغة الفرنسية. و كان ذلك سببا في رداءة العملية التربوية في المدارس العمومية و ظهور المئات من المدارس الخاصة و العشرات من المدارس الخاصة التابعة للنظام الفرنسي في خرق صريح للقوانين المنظمة للتعليم الخاص.

موقع الفكر: يكثر الحديث عن إصلاح التعليم حتى غدا شعارا على كل لسان برأيك ما المدخل لإصلاح التعليم في موريتانيا؟

الدكتور زكريا: من وجهة نظري المدخل هو تحديد هيكل دائم لقطاع التعليم، بلورة نظام قيادة عملي على كل المستويات و ضخ كفاءات عالية تمتلك تجربة كبيرة لتسيير القطاع.

موقع الفكر: يشكو البعض من ضعف الرقابة على التعليم الخصوصي ومن عدم تقيد الأخير بالمناهج والبرامج المقررة كيف نستفيد من التعليم الخصوصي ليكون رافدا مكملا للتعليم العمومي؟

الدكتور زكريا: كل هذا راجع إلى قيادة القطاع و تفعيل نظام تفتيش شفاف قادر على إيقاف كل هذه التجاوزات و فرض احترام القوانين على جميع الفاعلين في القطاع بما في ذلك الخصوصيين.

موقع الفكر: ماذا عن تزوير الشهادات  وهل من معطيات دقيقة  بهذا الخصوص؟

الدكتور زكريا: ظاهرة أصبحت واسعة الانتشار و هي تكرس عدم المبالاة، رداءة الأنظمة المعلوماتية، سوء ظروف الموظفين و ضعف القيادة ناهيك عن عدم تقديم الملفات إلى العدالة.

موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟

أشكركم على إتاحة الفرصة و أذكر في النهاية بعدم ضغط منظمات أباء التلاميذ على الوزارات و التنكيل بنقابات المدرسين المطالبة بإصلاحات حقيقية و تحسين ظروف المدرسين.