توضيحات حول خرافة الديانة الإبراهيمية 

المفتش: عبد الله السالم ولد اللوه 

ما يزال أنصار خرافة الإبراهيمية المزعومة يواصلون تحريفهم لنصوص الشرع ووصل الأمر بأحدهم حد القول بأن الديانات التي يسمونها توحيدية وسماوية وإبراهيمية هي متساوية من اعتنق أيا منها نجا ودخل الجنة وكأنها مذاهب فقهية عادية وكأن الفرق بين المسلم واليهودي والنصراني كالفرق بين الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي والظاهري. واحتج بقوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون). وعلى ضوء هذا لدي الملاحظات التالية:

1 ـ ليست لدي مشكلة في الحوار مع أتباع الديانات ولو كانت ديانات وثنية كالبوذية والهندوسية فهذا الحوار مطلوب وضروري لتحقيق تعايش سلمي على الأرض بين البشر، والإسلام لا يرفضه، لكن القاعدة الإسلامية فيه مبنية على المبدإ القرآني (لكم دينكم ولي دين) وليس على أساس البحث عن ما يسمى قيما مشتركة لأن هذه القيم نختلف فيها اختلافا شديدا، لهذا فتعاليم أي دين لا يمكن اتخاذها موضوعا لحوار على قاعدة (نعبد إلهك وتعبد إلهنا) التي عرض المشركون على النبي صلى الله عليه وسلم ورفضها بأمر إلهي خصصت له سورة الكافرون، وذلك رغم كون مشركي قريش يدعون الإبراهيمية وقد يزعمون أن الحج وخصال الفطرة قواسم مشتركة تصلح للحوار الديني لكن لم يستغل النبي صلى الله عليه وسلم هذه القيم لإقامة حوار مع المشركين بل كان حواره معهم حول كيفية تعايش سلمي لا بحث فيها عن مشتركات دينية ومن تأمل صلح الحديبية لاحظ ذلك وكذا كانت حواراته مع اليهود والنصارى. أما ما يتعلق بموضوع الدين فكان الأمر مجادلة بالتي هي أحسن من خلال تبيين وجه الضلال في الديانات ورد الشبه الموجهة للإسلام، وهذا لا يسمى حوار أديان، وإنما هو مجادلة لا يجوز شرعا لمسلم أن يخوضها إلا إن أمن على نفسه الفتنة وكان ذا خبرة كاملة بدينهم، والنتيجة المرجوة منها إقناع غير المسلم بالتخلي بشكل كامل عن دينه والدخول في الإسلام أو إبلاغ الحجة إليه وتركه على دينه، وفي مثل هذا لا وجود للحلول الوسطى التي هي هدف أي حوار.

2 ـ أن الآية التي استدل بها بعض هؤلاء (وأنا حريص على عبارة "بعض" إذ لم يصرح كل من يدعي "الإبراهيمية" بهذا) فقد تم بترها من سياقها فمن قرأ الآيات قبلها وبعدها يلاحظ أنها لا تعني اليهود والنصارى المعروفين والذين تم تهديدهم بالعذاب الخالد في تلك الآيات وأنه لا ينفعهم يوم القيامة غير الدخول في الإسلام، وبينت الآيات أن المقصود هم الذين هادوا أي الذين كانوا على دين موسى عليه السلام قبل تحريفه إلى اليهودية الحالية التي سبقت الإسلام وأقاموا التوراة الحقيقية، والنصارى الذين اتبعوا عيسى عليه السلام ولم يقولوا عنه أنه الله أو ابن الله وأقاموا الإنجيل، والصابين ـ وهم في الأصل عرقية سامية ـ من الذين لم يحرفوا دين يحيى عليه السلام، ولا شك أن إقامة التوراة والإنجيل تقتضي الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم أي دخول الإسلام، وفي القرآن آيات كثيرة صريحة في هذا. وبين القرآن أن هؤلاء المعنيين بالآية هم مسلمون (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون) فأتباع إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام قبل التحريف هم مسلمون ويلزمهم اتباع محمد عليه السلام عند ما يبعث. وعند ظهور الإسلام في شريعته المحمدية كان هناك نصارى موحدون يؤمنون بنبوة نبي آخر الزمان وبأن عيسى عبد الله ورسوله وكان هؤلاء يتعرضون للاضطهاد وكان منهم أهل الكهف وشهداء الأخدود، وكان لهم وجود في الشام وأوروبا (فرنسا أساسا) ويسميهم العرب بالحنفاء ويسميهم الأوروبيون بالأريوسيين وهم مسلمون باعتبار ما قدمنا وهم المعنيون ب"النصارى" في الآية المذكورة وقد اضطهدهم الملوك حتى أبادهم الملك الفرنسي كلوفيس في القرن الخامس الميلادي في أوروبا وبقي منهم أفراد في الشام وجزيرة العرب أسلموا عند ما بلغتهم الرسالة المحمدية وبعبارة أدق صدقوا محمدا صلى الله عليه وسلم لأنهم قبله كانوا مسلمين كما صرح القرآن، فأين هؤلاء من اليهود المحرفين القائلين (يد الله مغلولة) وأين هم من النصارى القائلين إن المسيح ابن الله ؟.

3 ـ لا توجد ديانات إبراهيمية فإبراهيم عليه السلام بريء من كل قوم ينسبون دينهم إليه غير المسلمين بقسميهم أتباع الأنبياء السابقين قبل التحريف ومن آدرك بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وآمن به إلى يوم الدين فقد نفى القرآن صفة الإبراهيمية عن اليهود والنصارى وعن مشركي العرب الذين كانوا يدعونها (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين) والذين يدعون اليوم من المسلمين أن الإبراهيمية تشمل اليهودية الحالية والنصرانية الحالية أوقعهم هذا النص القرآني الصريح في ورطة فوقع بعضهم في تناقض فتارة يقول: الإبراهيمية نسب، وتارة يقول: هي قيم مشتركة بين ما سماه الديانات الثلاث. فأما كونها نسبا فمردود لأن إبراهيم عليه السلام ليس أبا نسبيا لكل أتباع هذه الأديان فأكثر المسلمين ليسوا من ولد إبراهيم عليه السلام (ومن الملاحظ أن بعض حملة لواء هذه الدعوى ليس من ولد إبراهيم عليه السلام بهذا المعنى إلا عن طريق الأمهات وذلك لا يجعل الشخص محسوبا نسبيا عليه) كما أن الغالبية الساحقة من النصارى ليست من ولد إبراهيم، وحتى اليهود الذين يعتبرون أنهم من بني إسرائيل ولا يسمحون لأحد باعتناق دينهم يُشك في صحة إسرائيلية كثير منهم، بل إن هناك أقواما من ولد إبراهيم عليه السلام ليسوا من أتباع هذه الأديان مثل مشركي قريش الذين حرمتهم "الإبراهيمية الجديدة" من هذا الانتماء،وذرية إبراهيم عليه السلام بالمعنى النسبي تقتصر على من صح أنه من بني إسرائيل أو من العرب العدنانية؛ هذا عن الأبوة النسبية أما الأبوة الروحية فهي خاصة بالمسلمين فهو بنص القرآن أب للمسلمين سواء كانوا من ولده أم لم يكونوا ولا يدخل فيها غير المسلمين ولو كانوا من ذريته نسبا.

أما قضية القيم المشتركة فإن أبرز ما صرح به القائلون بها هو أن السلام قيمة مركزية لهذه الديانات، وهذا يتطلب توضيح مفهوم القيمة المركزية وتوضيح موقع السلام في كل من الأديان المذكورة. فأما مفهوم "القيمة المركزية" فمفهوم هلامي هل يراد به مراتب الدين أم أركانه أم ذروة سنامه أم عموده، فأما مراتب الدين في الإسلام قثلاثة كما في حديث جبريل ولم يذكر السلام فيها، وأما أركانه فخمسة ليس السلام أحدها، وذروة سنامه الجهاد الذي يطالب هؤلاء بإلغائه، وعموده الصلاة. وأما موقع السلام في هذه الأديان فهو مختلف فبالنسبة لليهودية نجد ـ انطلاقا من نصوصهم المحرفة ـ الدعوة للقضاء على الآخرين متى كان ذلك ممكنا حتى قتل دوابهم، ولهذا نجد الأحزاب الدينية في دولتهم صريحة في تبني العنف ونجد حكوماتها المتتالية تتنافس في العدوان ومن لم ير السماء فلا ترينه إياها. وأما المسيحية فهناك تناقض في موقفها من السلم فهم ينسبون للمسيح عليه السلام كلاما مغرقا في السلمية (من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر) وهذا أقرب إلى المهانة منه إلى السلام والمسيح منه بريء، وفي الوقت نفسه شجعت الكنيسة الحروب الصليبية والحروب المقدسة وعملت على تشجيع إبادة السكان الأصليين للقارتين الأمريكيتين. وأما الإسلام فالسلام يختلف حكمه باختلاف الأحوال فهو مطلوب شرعا إن جنح إليه الآخرون (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) بل حث القرآن على البر مع الكفار المشركين الذين لا يعادون المسلمين، وهو حرام تجاه المحارب أو كان يتضمن إذلالا للمسلمين كما في صفقة القرن (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون) وأعتقد أن من يروج للسلام معهم الآن هم أبعد ما يكونوا من الجنوح إلى السلم.

4 ـ لا معنى لعبارة "الأديان السماوية الثلاثة" فالدين الصحيح الوحيد المقبول عند الله هو الإسلام (إن الدين عند الله الإسلام) (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه). صحيح أن هناك شرائع نزلت على الأنبياء السابقين لكنها بنص القرآن نسختها الشريعة المحمدية التي لم يبق غيرها، ومن كان على تلك الشرائع قبل نسخها أو تحريفها فهو مسلم وهي أكثر من ثلاثة. صحيح أن بعض الأديان الباقية كان في أصله شريعة من هذه الشرائع الإسلامية فتعرض للتحريف فأصبح دينا محرفا، وأصحاب هذه الأديان هم أهل الكتاب وكان المؤمل أن تكون عودتهم إلى مصادر دينهم حافزا لهم على دخول الإسلام فلم يوفقهم الله لذلك وقد أمرنا بتركهم وشأنهم وهم إخوتنا في الإنسانية مع اعتقاد كفرهم وبطلان دينهم.

5 ـ لا معنى لعبارة "ديانات توحيدية" التي يحاول بعضهم أن يجعلها ثلاثة هي الإسلام والمسيحية واليهودية. فالتوحيد الحق خاص بالمسلمين أما المسيحيون فهم تثليثيون يؤمنون بثلاثة آلهة وأما اليهود فلهم اعتقاد زائد في بعض الملائكة أوصلهم حد الشرك. وإذا كان المقصود ب"التوحيد" اعتقاد وجود رب واحد للكون ينسب إليه الخلق والأمر فهذا ليس خاصا بالثلاثة بل هو يشمل كل دين حتى الهندوسية التي تؤمن بآلاف الآلهة تعتقد بوجود إله عام فوقها جميعا وحتى إن مشركي العرب مع تعدد آلهتهم كانوا يؤمنون بإله انفرد بالخلق (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) فإذا اعتبرنا هذا توحيدا فجميع الديانات هي ديانات توحيدية.

فتبين من هذا بطلان هذه الدعاوي كلها وسيظل البشر مختلفين في أديانهم والمطلوب منا معشر المسلمين أن نحتفظ بديننا كما هو بلا تنازل وندعوا الآخرين إليه بالحكمة والموعظة الحسنة فمن اقتنع به فليأخذه كله وهو منا له ما لنا وعليه ما علينا ومن لم يقتنع عاملناه بالحسنى إن عاملنا به وبغيرها إن عاملنا بغيرها ولا نعتقد نجاته من النار، بل نؤمن بأن من ابتغى غير الإسلام دينا فلن يقبل منه عند الله وهو في الآخرة من الخاسرين.