حرب روسيا تظهر الموقف الحقيقي للغرب تجاه نفط وغاز أفريقيا/ موقع الفكر

الفجوة كبيرة بين المترفين وواقع البسطاء

وخير ما يعبير عن ذلك واقع الدول الغنية والدول الفقيرة خصوصا في مجال المناخ،  فالأفارقة  تعبوا من استجداء تمويلات الدول الغربية لمشاريع النفط والغاز، وكيف يعالجون مشكلة نقص الطاقة؟ وكان رد الأمريكيين والغرب : لن نمنحكم تمويلات لمشاريع وقود أحفوري تلوثوا بها البيئة بل عليكم أن تقوموا بمشاريع طاقة متجددة مثل طاقة الرياح وكأن الدول الغربية لا تقبل إلا مشاريع الطاقة الصديقة للبيئة بل ليس عندها مانع من دعم مشاريع الطاقة في إفريقيا.

ومن أمثلة احتقار الدول النامية أن منظمة السلام الأخضر قامت عام 2014 بتجربة في قرية هندية صغيرة اسمها "دار ناي" والتجربة كانت عبارة تحويل القرية إلى أول منطقة في الهند تعتمد بشكل كامل في استهلاكها الكهربائي على الطاقة الشمسية.

 وعندما تم الإعلان عن هذه التجربة كان الأمر حدثا عظيما واحتفى الإعلام الدولي بهذه القرية كنموذج يحتذى به في رفض استخدام  الوقود الأحفوري المضر بالبيئة،  ولكن عندما بدأ تفعيل مشروع الطاقة الشمسية تفاجأ الجميع  بانقطاع الكهرباء خلال ساعات قليلة مما جعل القائمين على المشروع ينصحون سكان القرية بتجنب استخدام الثلاجات وأجهزة التلفزيون حرصا على استمرارية مشروع الطاقة الشمسية.

 و في أغسطس من نفس العام  دعت المنظمة أحد السياسيين الهنود لمعاينة هذا الإنجاز وعند استقباله رفع سكان القرية لافتات تطالب بتزويدهم بكهرباء عالية الجودة بدل الطاقة الشمسية وبالفعل تم تزويد القرية بالطاقة الكهربائية

مما يعني أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية لايمكن أن تشكلا بديلا مقنعا عن الطاقة الكهربائية المنتجة عن طريق الوقود الأحفوري لضعفهما وتكاليفهما ويتضح هذا جليا عندما ننظر إلى اقتصادات الدول الصناعية الكبرى فقصص نجاحات تلك الدول الكبرى قامت على هذه الطاقة الملوثة للبيئة مثل النفط والغاز والفحم، و ليست هناك دولة كبرى تعتمد على طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية، فهدوء الرياح والغيوم الحاجبة للشمس كلها عوائق أمام طاقة الرياح والطاقة الشمسية،  هذا مع أن كل البطاريات الموجودة اليوم أحسنها تخزن ما يعادل 75 ثانية من الاستهلاك العالمي من الكهرباء وفي ظل اتساع سوق البطاريات من المتوقع أن تصل قدرة التخزين الإجمالية للبطاريات على مستوى العالم أقل من 11 دقيقة من الاستهلاك العالمي في حدود العام 2030

كل مصانع الصلب والأسمدة في أمريكا وأروبا تعمل بالفحم والغاز  ويمثل الوقود الأحفوري 75% من الطاقة المستهلكة في الدول الغنية أما الطاقة الشمسية وطاقة الرياح فيمثلان أقل من 3% من الطاقة المستهلكة في الدول الغنية.

وما تقوم به  الدول الغنية من تشجيع لاستخدام الطاقة الصديقة للبيئة إنما هو تنظير فقط من أجل حرمان إفريقيا من استخدام النفط والغاز وبالتالي تحرم من التنمية الاقتصادية مع العلم أن أكثر نسبة تلوث بالغازات الضارة بالبيئة هي في الدول الصناعية الكبرى.

فمواطن في دولة غنية يستخدم أضعاف ما يستخدمه مواطن إفريقي 23 مرة، فما يستخدمه  مليار نسمة في إفريقيا من الطاقة أقل من تلك التي تستخدمها 47 مليون نسمة في إسبانيا مثلا.

وإذا كانت افريقيا مسؤولة عن 3%  من انبعاثات الكربون في العالم، فأمريكا والدول الغربية مسؤولون عن 50% من تلك الانبعاثات الغازية، مع أن عدد سكان هذه الدول لا يمثل سوى نسبة 12% من سكان العالم.

وبحسب وكالة الطاقة الدولية فلو نفذت أمريكا والدول الأوربية بصدق كل سياسات المناخ المتفق عليها وطبقوها بالحرف، فلن توفر لهم الطاقة المتجددة أكثر من ثلث احتياجاتهم.

وكأن الغرب يرى أن منع إفريقيا من استخدام النفط والغاز قي الطاقة هو الحل الوحيد لمشكلة الاحتباس الحراري.

ففي مؤتمر المناخ cop26 الذي انعقد في نوفمر 2021  تعهدت الدول الغنية بوقف تمويل مشاريع استخراج الغاز الطبيعي في الخارج

الرئيس السينغالي ماكي صال في 24 سبتمبر 2021، تحدث أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قائلا: دولنا لا تستطيع تحقيق تحول في مجال الطاقة وتتخلى عن مشاريع الطاقة الملوثة للبيئة مع أن الطاقة الملوثة للبيئة هي الركيزة الأساسية للدول الصناعية والأروبية إلا إذا كان هناك بديل قابل للتطبيق وعادل ومنصف

امتناعكم عن تمويل عملية تطوير قطاع الغاز عندنا سيشكل عقبة رئيسية بالنسبة لنا.

إبريل من العام  2022، قامت سفيرة الاتحاد الأوروبي في نيجريا صامويلا إيثوبي بزيارة شركة البترول الوطنية النيجيرية NNPC رفقة سفراء إيطاليا والبرتغال وإسبانيا وفرنسا لإقناع نيجيريا برفع إنتاجها من الغاز بحيث يسد لأوروبا جزءا من احتياجاتها من الغاز بسبب إغلاق روسيا أنبوب الغاز.

إيطاليا من جانبها توجهت إلى الجزائر وأنغولا والكونغو والموزمبيق لنفس الغرض وكأن مشاريع الغاز في إفريقيا أصبحت هي كل شيء.

رئيس فرنسا حل في الجزائر لذات الغرض والطلب.

ومن المفارقات أن نيجيريا ثاني أكبر منتج للغاز في إفريقيا وصاحبة أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في القارة ورغم هذا فحوالي 85 مليون نيجيريا وهو ما يقارب نصف السكان يعيشون دون شبكة كهرباء، فكيف حصل هذا؟ ونيجيريا: كانت أكبر منتج للنفط الخام في عام 2021، وبلغ متوسط ​​إنتاج نيجيريا من الخام يوميًّا 1.27 مليون برميل.

والغاز النيجيري يزود مصانع  10 دول بكل احتياجاتها، هذا ببساطة لأنه لا يوجد استثمار كاف يضخ في قطاع الغاز النيجيري، بطريقة مستدامة تضمن استفادة المواطن من ثروة بلاده.

حيث تسيطرالأخوات السبع (بريتش بتروليوم، وإكسون موبيل، وشيفرون، وأوكسيدنتال، وإيني، وجولف، وألف)  على إنتاج وتسويق وبيع النفط الإفريقي، وتعيش هذه الشركات وكأنها دولة داخل الدولة بتصرفاتها التي يطبعها السرية والتكتم حول المداخيل والسياسات المالية المتعلقة بالإيرادات، وقد ساعدها في ذلك استشراء الفساد داخل أوساط النخب الإفريقية الحاكمة، والأخطر هو انخراط هذه الشركات في النزاعات المحلية بدعم هذا الطرف ضد الآخر وإذكاء العداوات، وفي هذا الصدد لعبت الأخوات السبع النفطية دورًا قذرًا لاسيما في منطقة دلتا النيجر وأبيي في السودان؛ حيث ثبت دعم بعض هذه الشركات للحركات الانفصالية والمتمردين، ومحاربة الحكومات المركزية.

الدول الأوروبية بعد أن كانت تمنع الدول الإفريقية من استخدام الطاقة الملوثة للبيئة بدأت تغير موقفها وتدعم مشاريع الغاز الطبيعي الملوث للبيئة بعد أزمة الغاز الروسي.

فالاهتمام بالطاقة في إفريقيا أتى على ثلاثة مراحل، الأولى: بُعَيْد حرب أكتوبر 1973 بين الدول العربية واليهود، عندما أعلنت الدول عربية الأعضاء في منظمة أوبك عن حظر تصديرالنفط  إلى بعض الدول  وفي مقدمتها الولايات المتحدة.

الثانية: بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، والثالثة بعد الحرب الروسية الأوكرانية.

وقد انتقد نائب الرئيس النيجري الدول الغربية واتهمهم بالنفاق مما يظهر تذمر الأفارقة من تصرفات الغرب اتجاههم، فدولا مثل أمريكا وفرنسا وألمانيا يتظاهرون أمام العالم وهم يدافعون عن المناخ وأنهم أبطال حماية البيئة ومواجهة الاحتباس الحراري، وهم في الحقيقة غير ذلك.

وأضاف كما جاء في الإيكونومست البريطانية

يجب علينا سد فجوة عدم المساواة في الطاقة العالمية.. يحتاج الأفارقة  إلى أكثر من مجرد إضاءة في المنزل.

نريد طاقة وفيرة على نطاق واسع لخلق وظائف صناعية وتجارية.

الرئيس الأوغندي: ما يقوم به الغرب يحبط عملية خروج إفريقيا من دائرة الفقر، لا يمكن  أن نخرج من الفقر من دون طاقة  يعتمد عليها، الصناعة عندنا في إفريقيا لا تستطيع أن تجذب استثمارات ولا يمكن خلق فرص عمل من دون مصدر طاقة ثابت وحتى الزراعة ستعاني لأنها تقوم على الأسمدة الاصطناعية والأسمدة تحتاج غازا طبيعيا لكي تصنع.

ومما يدل على أن الغرب لا يريد تطبيق سياسات المناخ، فالنرويج أعلنت في مارس  من العام 2022  أنها ستزيد من إنتاجها من الغاز الطبيعي في أسرع وقت لتحل الإشكال الناجم عن  توقيف الغاز الروسي وبالفعل زادت إنتاجها ومن المتوقع أن تصل إيرادات النرويج من النفط والغاز في عام 2023 لما يعادل 131 مليار دولار، بعد أن وصلت ل 117 مليار دولار، في العام 2022م.

والنفط والغاز يمثلان 41% من صادرات النرويج، وتمتلك النرويج أكبر احتياطات من الهيدروكاربونات في أوروبا.

وقال رئيس وزراء النرويج في قمة المناخ: التنقيب عن النفط والغاز سيكون لهما دور حاسم في الانتقال للطاقة المتجددة.

مع أن النرويج كانت تضغط مع سبع دول أخرى على مؤسسات التمويل الدولية مثل البنك الدولي لتتوقف عن تمويل الاستثمارفي مشاريع الغاز والنفط في الدول النامية الفقيرة اعتبارا من نهاية 2024 بدعوى الحفاظ على البيئة.

وليس هذا النفاق وازدواج المعايير خاصا بالنرويج، فالرئيس جوبايدن جعا  في قمة المناخ 2021 إلى مضاعفة الجهود في نشر الطاقة النظيفة وبعد ذلك بأيام قليلة هاجم منظمة أوبك لأنها لم ترفع إنتاجها من النفط الخام،  الملوث للبيئة.

لايعني هذا  التقليل من خطر التلوث، ولا نفي انه أحدث مشكلة في العالم، ولا يعني كذلك التقليل من اهمية البحث عن حلول جذرية  له مستقاة من العلم.

بقدر ما يعني ان الدول الغربية بنظرتها المزدوجة تجبر الدول الافريقية على الاستثمار في الطاقة النظيفة وتحرمها من الاستفادة من ثروتها من النفط والغاز، فهذا عين الظلم، حين تحرم افريقيا من استخراج غازها الطبيعي، حتى تستخدمه في الكهرباء بحجة أوهى من بيت العنكبوت.

ونقلت فرني بولست عن نائب رئيس غرفة الطاقة الإفريقية قوله إذا كنت في غرفة ولادة في شمال نيجيريا فلا يهم إن كانت الكهرباء التي  تصلك مصدرها هو الفحم، فما تحتاجه هو الطاقة.